ورد الان

“سيف التكفير” يقتل حامله.. أبو ماريا القحطاني قتيلاً على يد أخوة الأمس

لا تزال الساحة التكفيرية في سوريا تعج بالتناقضات والخلافات، تارة بين أصحاب المنهج الواحد، وطوراً بين الفرق المتعددة، ذات توجهات غير منسجمة، وتجمعها ادلب ومنطقتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”.

وأعاد اغتيال ميسر الجبوري “أبو ماريا القحطاني”، فتح أبواب، كانت قد بدأت تأخذ طريقها لتكون من الماضي، بين التنظيمات التكفيرية في سوريا، والصراعات القديمة التي يبدو أنها ما تزال تحت الرماد.. رماد أحرق اليوم “أبو ماريا”، التكفيري العتيق من الرعيل الأول.. رعيل تنظيم قاعدة العراق وأبو مصعب الزرقاوي.

بعد نحو شهر على خروجه من سجون هيئة تحرير الشام، بتهمة العمالة للتحالف الدولي، وبطريقة ألطف بحسب ما قال بيان هيئة تحرير الشام حينها، أن “القحطاني” وهو رفيق درب الجولاني وعضو مجلس شورى الهيئة، قد أخطأ “في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه”، من دون أن يوضح البيان المؤرخ بتاريخ (17 آب 2023)، المقصود من الإتصالات ومع من.

وما أخفته هيئة تحرير الشام تناقلتها الألسن ومعرفات “الجهاديين” على مواقع التواصل الإجتماعي، بأن القحطاني قد تجند لصالح التحالف الدولي منذ العام 2018، بغرض تصفية قادة من داعش، ومن حراس الدين (فرع تنظيم القاعدة في سوريا). غير أن مصادر ادلبية تحدثت في حينه عن دور للقحطاني في اغتيال قادة من تنظيم القاعدة العالمي على يد التحالف.

أبو ماريا القحطاني

بحسب مؤسسة أمجاد الإعلامية (الذراع الإعلامي للجناح العسكري لهيئة تحرير الشام)، فقد اغتيل القحطاني ليل الخميس – الجمعة على يد عنصر من داعش، فجر نفسه في أحد مضافات القحطاني، في منطقة سرمدا، ما أدى إلى مقتله وإصابة آخرين بينهم رئيس المكتب السياسي السابق في الهيئة والقيادي البارز يوسف الهجر “أبو البراء الشامي”، بالإضافة إلى عدد آخر.

وفي التفاصيل، أنه وأثناء قيام أحد الأشخاص بتسليم “سيف عربي” للقحطاني كعربون تقدير، بعد الافراج عنه، حدث انفجار، قالت معرفات الهيئة إنه لانتحاري كان يقدم السيف، ما أدى إلى مقتله على الفور.

هو سيف التكفير إذاً، قتل أحد قياديي تنظيم القاعدة في العراق، وعراب عملية “فك الارتباط”، التي بموجبها انفكت جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة العالمي، وبدلت جلدتها إلى “هيئة تحرير الشام”.

من هو أبو ماريا القحطاني؟

عُرف عن ميسر الجبوري “أبو ماريا القحطاني” أنه عمل شرطياً ابان فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، قبل أن يدخل باب التنظيمات التكفيرية، عبر جماعة “التوحيد والجهاد”، وشارك في معركتي الفلوجة الأولى والثانية، وكان أميراً لكتيبة “التهلكة”.

ومع بداية الأحداث في سوريا، اتخذ القحطاني من المنطقة الشرقية مقراً له، حيث كان رأس حربة في قتال داعش، ابان القتال مع جبهة النصرة (2014)، وهنا بدأت تتشكل المعالم الفكرية للقحطاني، بالإبتعاد التدريجي عن جماعات “الجهاد العالمي”، والاتجاه إلى جماعات الجيش الحر، التي كانت تقاتل الدولة السورية، تحت شعار “الديمقراطية”.

وبعد الهزيمة في ديرالزور، انتقل القحطاني إلى درعا ومن ثم إلى ادلب، حيث كان الرجل الثاني في هيئة تحرير الشام، وقائد ما يسمى “أحرار الشرقية”، وهم جنوده المخلصين الذين قاتلوا معه في كل محطاته العسكرية، منذ “الجهاد” في العراق إلى نهايته في سوريا، حيث صرح في مقابلة مع “فرانس برس”، أن الجهاد في سوريا انتهى، وان جماعته الجديدة ويقصد بها تحرير الشام، خرجت من هذا الأمر.

بقي القحطاني إلى جانب قائد هيئة نحرير الشام “أبو محمد الجولاني”، وصنف على أنه الرجل الثاني في الجماعة، وله رأي يسمع في المجالات السياسية والعسكرية والشرعية، وكان مهندس العلاقات مع الفصائل، حيث أجرى قبل اعتقاله لقاءات دورية مع فصائل من الجيش الحر ومع قادة في حركة أحرار الشام لضمهم إلى الهيئة، وحقق نجاحاً نسبياً في ذلك.

عمل القحطاني شرعياً في “جبهة النصرة”، وأميراً للمنطقة الشرقية من سورية مع بداية الأحداث عام 2012. ولم يظهر بصورته الكاملة في ذلك الوقت، وبقيت مجهولة.

من اليمين: أبو أحمد زكور، أبو محمد الجولاني، أبو ماريا القحطاني

تساؤلات حول دور الجولاني

يتنافس في هيئة تحرير الشام جناحين، الأول وهو الجناح “البنشي”، نسبة إلى بلدة بنش، وهو بمثابة حكومة الظل داخل هيئة تحرير الشام، وهم ما يمكن القول إنهم “أصحاب الارض”، كون الهيئة باتت تضم العديد من المقاتلين والجماعات والشخصيات من مناطق سورية مختلفة. وتحالف هذا الجناح مع “أبو أحمد حدود”، و”عبدالرحيم عطون”، و”أبو ماجد” شقيق الجولاني. ومن أبرز وجوهه “قتيبة بدوي” و”حذيفة بدوي” و”مصعب أبو عمير”.

أما الجناح الثاني فهو جناح “الشرقية” الذي يعتبر القحطاني زعيمه، ويتكون من مقاتلي ديرالزور وأرياف حلب، حيث الرابط العشاري قوي بينهم، ومن أبرز وجوهه “أبو محمد الشحيل”، “مظهر الويس”، ويتحالف مع جهاد الشيخ “أبو أحمد زكور”، مدير الملف الإقتصادي والتجاري في الهيئة.

نجح الجولاني في مراحل سابقة من الإطاحة بأجنحة عدة أبرزها، (جناح حماة بقيادة ابو يوسف حلفايا)، جناح جبل الزاوية (الذي كان يقوده أبو عبيدة كنصفرة)، جيش الشام (الذي كان يقوده أبو مالك التلي) جناح حلب، جناح درعا..

ويعتبر اغتيال القحطاني، انتصاراً لجناح “بنش”، وبالتالي فقد تحققت للجولاني وحدة القيادة في الهيئة، دون منافسين، خصوصاً وأنه تم استبعاد “أبو أحمد زكور”، بعد مداهمة منزله ومصادرة بعض أملاكه.

أبو محمد الجولاني يلتقي بقيادة الجناح العسكري

دور حراس الدين

تضم ادلب جماعات عديدة، ومن ضمنها “حراس الدين”، وهي بقايا تنظيم القاعدة الرسمي في سوريا، بالإضافة إلى منشقين عن داعش وعن جماعة “جند الأقصى”، وغيرها من التيارات المحسوبة على “الجهاد العالمي”.

وتشير معطيات إلى أن معلومات وصلت إلى هذا التنظيم عن دور مباشر للقحطاني بتصفية عدد من قادتها، وهذا ما تسرب عن التحقيقات التي جرت مع الرجل، خلال فترة اعتقاله في سجون “تحرير الشام”، وأبرزهم، خالد العاروري “أبو القسام الأردني”، وبلال الصنعاني، بلال خريسات “أبو خديجة الأردني”.

وكان تنظيم حراس الدين قد أصدر بياناً قبل ابان اعتقال القحطاني حمل اسم “نحن أولياء الدم”، دعا فيه إلى “تحقيق مستقل بحق  الجواسيس والعملاء”. وسرد البيان أسماء عدد من قادة من الحراس الذين قتلوا في ضربات جوية في السنوات السابقة، من بينهم “خالد العاروري وأبو الفرج المصري وأبو محمد السوداني وأبو فراس السوري”. وختم بعبارة: “آن الأوان لكشف المتورطين وتطبيق حكم الله فيهم”.

روايات عدة حول طبيعة عملية الاغتيال

وكذبت شخصيات محسوبة على التيار المناوئ للجولاني ادعاء أن انتحارياً فجر القحطاني، وتحدثت عن قيام “أبو أحمد حدود”، باخراج مجموعتين من داعش من السجن، ليقوموا بعمليات تصفية لخصوم الجولاني ويثيروا فوضى في التظاهرات التي تنشط حالياً ضده في مناطق في ادلب.

وتحدذت مصادر في ادلب أن أحد منفذي عملية الاغتيال كان يحمل بطاقة أمنية، واهدى القحطاني سيفاً داخل صندوق كبير، ثم خرج اثنان وبقي واحد اقترب من القحطاني يعانقه، وهنا وقع الانفجار وصندوق السيف كان يحمله القحطاني.

واعتبرت تلك المصادر، ان الصورة التي تم نشرها من قبل إعلام تحرير الشام، تظهر أن صندوق السيف ما يزال سليماً، وتساءلت “أيعقل لم تطال الصندوق ولا شظية ولا نقطة دم بينما أرض المضافة كلها دماء”، واتهمت أمن الهيئة بادخال صندوق آخر، والإيحاء بأن العملية نفذها انتحاري من داعش.

كما تحدثت تنسيقيات أخرى، أن القحطاني كان يسعى ويحشد جماعة “الشرقية”، للانقلاب على الجولاني، بعد أن سجنه، ونسفت رواية الهيئة بالكامل، وقالت إن القحطاني اغتيل على طريق سرمدا، وليس في مضافة كما تم الإعلان.

غير أن المعلومات تشير إلى أن القحطاني كان ومنذ ان أطلق سراحه منذ نحو شهر، يستقبل المهنئين من عسكريين وعشائر بشكل شبه يومي، ولم يترك منطقة ادلب، وبالتالي فإن فرضية سعيه لانقلاب، تبقى ضعيفة.

واعادت مصادر متابعة التذكير، بأن معارضي الجولاني على مدار السنوات الماضية، كان يتم اغتيالهم، إما بغارات التحالف، أو عمليات اغتيال تنسب إلى داعش أو مجهولين، وعلى رأسهم “أبو الخير المصري”، و”أبو عمر سراقب”، بالإضافة إلى قادة جماعة حراس الدين، الذين انشقوا عن الجولاني، فقتلهم التحالف الأمريكي بغارات في فترات مختلفة، وغيرهم من القادة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى