المارونية السياسية انتصرت سياسيا على طيبة الحزب.
بقلم ناجي أمهز
قال لي: لو أن الحزب قدم لك أنت الشيعي، واحد بالمائة مما قدمه للتيار طيلة ستة عشر عاما، لكنت جعلت المسيحيين من لبنان حتى الفاتيكان يحبون حزب الله، لكن للأسف.
هذه المقدمة هي للتوضيح مقدار العطاء الكبير، والدعم اللامحدود المادي والمعنوي والشعبي، الذي وضعه الحزب في خدمة وتصرف التيار، وفي الختام خرج التيار ليعلن وبكل صراحة أن الحزب لم يف بالوعد، مع العلم بأن الحزب، وصل إلى مكان بالصدق، شكل له مقتل في مسيرته السياسية عندما قال السيد في إحدى إطلالاته “اذا وفّقني الله يوم القيامة لدخول الجنة أتمنى أن تكون يدي بيد العماد عون”، وهذا العهد الذي قطعه السيد على نفسه والحزب، اعتبرته مختلف القوى والشخصيات المسيحية أنه إعلان بأن أي تقارب أو تواصل مع الحزب يمر عبر التيار، (وهناك من قال إنه لا يوجد ثوابت في السياسة، هل يعني أن الحزب يعتبر التحالف مع التيار من المسلمات التي لن تتغير) وهذا التوجه المبدئي عند الحزب، جعل الكثير من هذه القوى تبتعد عن الحزب ومنها اعتبر أن الحزب يفرض فريقا معينا على المسيحيين، وأنا أتصور أن سبب انقلاب غالبية المسيحيين على الحزب هو بسبب ذوبان الحزب في التيار.
وقد استفاد التيار وبنى نفوذ وعلاقات دولية وازنة بسبب تحالفه مع الحزب، فقد كانت الكثير من الدول تصغي إلى التيار بسبب مونته على الحزب، وعندما كانت الدول تستعلم من التيار، حول ردود فعل الحزب بعد كل اعتداء إسرائيلي في سوريا على الحزب، كان يؤخذ بكلام التيار على أنه دقيق كانه يسمع من السيد.
ولو أردنا أن نعدد الإفادة التي جناها التيار من الحزب، حتى على صعيد التسويق والاستثمارات، ربما نحتاج إلى مجلدات، بالمقابل لم يحصل حزب الله على أي شيء، إلا أنه قيل عنه قليل الوفاء، وحتى لو تراجع التيار وحاول أن يميع هذا الوصف، إلا أن الجميع فهم هذا الأمر، حتى الحزب، وهذا ما اكده بيان العلاقات الاعلامية في الحزب التي ردت على هذه النقطة تحديدا.
ويقال عن صراخ التيار اليوم في وجه الثنائي الشيعي بأنه يعطل انتخاب رئيس الجمهورية، أين كان بالأمس عندما تم تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية عامان ونصف من أجل إيصال الجنرال عون لسدة الرئاسة.
ومشكلة الحزب لا تنتهي حول الخلاف على تسمية مرشح الرئاسة، بل إن ما جرى مؤخرا أظهر أن التحالف عبارة عن شروط، تنص أنه يجب على الحزب أن يعطي التيار كل شيء، والا التيار يفرط هذا التحالف، بل رغم الهجمة الكبيرة من قيادات في التيار على الحزب طوال السنوات الماضية، الا ان الحزب كان يتجاوز هذه الهجمات بالمزيد من التمسك بالتفاهم، حتى شعر البعض المسيحيين، بان الحزب مستعد ان يقوم باي شيء مقابل الحصول على غطاء مسيحي.
وعند الدردشة مع بعض أعضاء الأحزاب المسيحية المعارضة للحزب وتسألهم عن إمكانية الحوار مع التيار، تجد أنه رغم اختلاف الإجابات، إلا أن الجميع تجمعهم قواسم مشتركة، بان الحوار شيئا غير وارد الآن، وخاصة أن التحالف بين التيار والحزب ظهر على أنه تحالف محاصصة هش، وان شعبية التيار رغم تراجعها إلا أن الفئة التي رفعت صوتها هي تلتقي معنا بأنه يجب فك التحالف مع الحزب، لذلك لم يعد من داع للحوار فقد وصل التيار إلى حيث كنا نقول، إضافة أنه بعد تجربة تفاهم القوات مع التيار وما حصل مؤخرا مع الحزب وقبله الرئيس سعد الحريري، لم يعد يشجع أبدا على أي حوار أو قيام تفاهمات مع التيار، كما أن الأحزاب المسيحية مستفيدة من تراجع التيار وهي ليست بوارد اعادة تعويمه، بعيدا عن حسابات التيار ومحاولة تعزيز مكاسبه السياسية والاستفادة من فرصة ترتيبات انتخاب رئيس الجمهورية، والتي هي الفرصة الاخيرة للتيار المحاصر بخلاف مع بقية الاحزاب والتيارات المسيحية، حتى أنه على خلاف مع حلفاء حليفه امل وتيار المردة، اضافة الى خلافه العميق مع تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، وشبه عزلته دوليا بسبب العقوبات الامريكية، وخلافه مع كوادر التيار الذين تم فصلهم مما شكل ارباك داخليا، واليوم اكمل اغلاق هذه الدائرة حوله بافتعال الخلاف مع الحزب، ومنطقيا لا يمكن قيام تحالف بين قوى تتصارع على نفس المقاعد النيابية والوظيفية، ويختم احدهم “انه جهنم ما بتطلع منها حطب”.
وهناك من يهمس ان القوات لم تعلق على خلاف الحزب التيار، كونها منذ اللحظة الأولى من الاتفاق كانت تشاهد فيه هذا الاختلاف، وهذه النتيجة، وقد عانت من اتفاقها قبل تسعينات القرن الماضي وبعد انتخاب الجنرال عون رئيس للجمهورية، إضافة أن القوات تتفرج، فاليوم فقد أصبح أكثر من 65 % من المسيحيين هم ضد الحزب وسلاحه وحلفائه، وهذا يؤكد دقة الخيارات التي اتخذتها القوات، وهي تنبع من قراءة مسؤولة لهواجس المسيحيين.
ويؤكد بعض صقور الموارنة، أن الدعوة إلى مؤتمر دولي حول لبنان، وتكرار الحديث بجدية عن اللامركزية الإدارية الموسعة أو حتى الفيدرالية الكاملة من بناء المطار حتى المرفأ وصول إلى بلوك رقم أربعة في البحر، هي ليست تمنيات أو بسبب عجز الموارنة خاصة والمسيحيين عامة، بل هو توجه ومطلب مسيحي أكدته نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، التي أظهرت أن المناطق المسيحية الممتدة من الأشرفية مرور بالمتن وجبيل وكسران حتى البترون هي رافضة لأي تواجد للحزب، وتشير الأرقام التي حصلت عليها اللوائح التي كان مشروعها عزل الحزب وإسقاط سلاحه تحديدا، (قوات كتائب نعمة افرام ميشال معوض فارس سعيد البون) أن مجموعها تجاوز ال 65 % من أصوات المسيحيين، دون احتساب الأصوات التي نالها مرشحون مسيحيون هم بخاطبهم أما ضد سلاح الحزب أو معترضون ويرفضون هيمنته على القرار السياسي.
وعندما تكرر السؤال هل يعقل ان نذهب الي اللامركزية او فيدرالية، باتيك الجواب بان السؤال اليوم هو ما الذي يمنع تطبيق اللامركزية الادارية، هناك الف سبب وسبب لتطبيق اللامركزية، بينما بالمقابل لم يعد بالامكان السير في لبنان كما هو عليه اليوم.
وأمام هذا المتغير للواقع المسيحي يقرأ البعض أنه ربما التيار يحاول اختلاق الذرائع وافتعال المشاكل، بمحاولة لفك عزلته، وخاصة أن زيارة التيار إلى بكركي، والتي قسمت إلى زيارتين، مما شكل استغرابا، وعدم إشارة بكركي إليهما في عظة الأحد، هو دليل على متغير اصبح خارج النقاش.
هذه هي خلاصة القراءة المسيحية للواقع المسيحي من قبل أشخاص مسيحيين، وأنا لا أريد أن أعقب عليها أو اشرحها لكن أقول: لقد نجح الإعلام والأحزاب المسيحية المعارضة للحزب بتقليب الرأي العام المسيحي على الحزب بنسبة 65 %، لكن بالمقابل عليكم أن تعرفوا بان الحزب الذي يمثل 65 % من الشيعة هو قلبا وقالبا مع المسيحيين ولا يقبل أن ( تدقهم شوكة) ولو أصبح كل المسيحيين ضد الحزب فإن الحزب سيبقى ينشد أناشيده ويقدم التحية مع قرع أجراس الكنائس.
هذا خياركم
وهذا خيار الحزب، الذي كان يتسابق لمواجهة التكفيريين، دفاعا عن دير أو كنيسة، ويقدم الشهداء كما يقدمها للوطن، لايمانه بان الدفاع عن اخوتنا المسيحيين حيث تواجدهم، هو فريضة دينية وانسانية، بعيدا عن الزواريب السياسية، التي لن ولن يدخلها الحزب تحت أي ظرف من الظروف.