خفايا القلوب
لا تسألني عن كل ما يخفي المرءُ في قلبٍه، فهذا موضوعٌ من الموضوعات التي لا يعلمُها إلا الله، فهو اللطيف الخبير وهو علّامُ الغيوب.
غير انه يمكنني القول إنّ هناك قلوبٌ تنبضُ بالخير أخفته، او أظهرته لِمنْ حولها، وهناك قلوبٌ تَضْمُرُ الشّرَّ لمنْ حولها، وذلك لأسباب كثيرة منها شعور الشخص بعقدة الدونية تجاه الآخرين، او بتعظيم الأنا في نفسه.
كيف نستطيع كشف خفايا هذه القلوب والتعامل معها؟
للأسف بعض الأشخاص أصبح الدين لديهم علامةً أكثر مِمّا هو مضمون بالعقيدة والشريعة والتزام سلوكي بأحكام الله ونواهيه، فيكتفي بخواتمَ تُلبس، وبطبعةٍ تُرسَمُ على الجبين، وبسبحةٍ تُحمًل باليد، وعباءةٍ تستر ما يمكن ستره، فيكون بذلك ظاهرها التدين، وداخلهم حُب الدنيا، يبتسمون لمن حولهم، ولا يهتمون الا بمصالحهم الضيقة.
هذه القلوب تُكشف بالمواقف فقط،
ومن قال أنا اعرف فلاناً جيداً هو مخطئٌ إن لم يعاشره فيرى معشره وسلوكه. لا يستطيع أحدُنا أن يحكم على الآخر بمجرد الاستماع لحديثه، بل على المواقف التي تجري معه.
إنّ الأفعال هي التي تؤكد على صدق الصلات ما بين الناس، أما الكلام فالكل يتحدث بما يحلو له، وكم مِن عمليات نصب وصفقات قامت باسم الدين، وأدت إلى تدمير بعض الأشخاص والقضاء عليهم، وقد ذكرهم الله في كتابه الحكيم (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ).
إنّ أصحابَ القُلوبِ البيضاءِ قلوبهمْ ناصعة بلونِ الثلج، أحلامهُمْ مفعمة بنقاءِ الماء، خَيالهم راقٍ باتساعِ السماء، لَدَيهِم قُدرةٌ على التسامحِ بلِا حدودْ، ويتَمَتَعون بقدرةِ الاغتسال بماءِ الفضيلة، وقدرةِ الحِلم والانغِماسِ فيه إلى آخر قَطَرَاتِه.
هؤلاء هم من يسعون لإكتشافِنا لأن طينتهم الطيبة تحمل في طياتها صدقَ النيةِ لمن حولهم، بل لكل الخَلق، ويقومون بالعمل الصالحِ من غير مقابل.
العقلُ يقاس بالقدرة على الحوار العلمي وبتقدير الأمور تقديرا حسنا، والمحبةُ تقاسُ بالمواقف. وبما أنّ القلب هو المسؤول عن الوجدان والمحبة يجب أن لا نجعله محطةً يدخلها الخبيث والحاقد، بل نجعله أرضًا خضراء يستوطنها الطيبون والمؤمنون، فمن استوطن في قلبهِ حبُّ اللهِ انكشفت له حُجبٌ كثيرة، بما فيها بعض خفايا القلوب.
ريما فارس