.

هل تجري الإنتخابات النيابية في لبنان بموعدها؟ شارل ابي نادر

هل تجري الإنتخابات النيابية في لبنان بموعدها؟
شارل ابي نادر

سؤال يدور في رأس الكثيرين هذه الأيام ، في لبنان وفي خارجه : هل تجري الإنتخابات النيابية المرتقبة في موعدها المقرر رسميا، الخامس عشر من أيار مايو المقبل؟ ام تتأجل الى موعد ليس ببعيد؟ ام تتأجل الى موعد غير مسمى او عمليا، تلغى في الوقت المنظور؟؟؟ وفي الوقت الذي يصرَح فيه علنا اغلب المعنيين ، مسؤولين او سياسيين ، عن التزامهم باجرائها ، وعن حماستهم لذلك ، فقد تعودنا على عدم صدق اطراف عدة من المسؤولين السياسيين اللبنانيين في تصريحاتهم ، وعلى انهم يضمرون عكس ما يعلنوه ، في الموضوع الانتخابي او في غيره من مواضيع الشأن العام .

في الواقع، وبالرغم من وجود جو عام سائد اليوم في لبنان ، تتعادل فيه تقريبا فرص حصول هذه الإنتخابات مع عدم حصولها ، وحيث تتعدد الاسباب والمؤثرات التي تحدد ذلك ، من السياسي الداخلي الى السياسي الخارجي الى الامني الى التنظيمي الاداري ، الخاص بإجراءآت وزارة الداخلية او الخاص بالحاجات اللوجستية والتي تتطلب تمويلا خاصا او استثنائيا ، قد لا يكون متوفرا ، او قد لا يُسمح بتوفره بنية تعطيل إجرائها ، تبقى، وفي تقديرنا ، إمكانية حصولها أكبر وواردة بشكل غالب على عدم حصولها، وذلك يعود للاسباب التالية :

أمنيا : حيث يشكل البعد الامني الناحية الاكثر تاثيرا ربما على امكانية عدم حصول الانتخابات ، انطلاقا من ان اي حدث امني يحمل طابع الخطورة ، خاصة انه اذا حدث ، سيحدث بشكل مفاجىء وغير متوقع ، وسيكون حينها عاملا حاسما الى حد ما ، في زرع الخوف في نفوس المواطنين الذين لن يستسهلوا الخروج الى مراكز الاقتراع والادلاء باصواتهم ، ولكن كل المعطيات تؤشر إلى أن الوضع الأمني في لبنان متماسك اجمالا، وقدرات الأجهزة الأمنية والعسكرية – مقارنة مع فترات سابقة – كافية لضبط الساحة الداخلية ولضبط الحدود بنسبة معقولة او حتى مرتفعة ، تتجاوز ما كانت عليه في اغلب الأوقات السابقة التي حصلت فيها الدورات الانتخابية الأخيرة ، وهذه القدرات التي تملكها هذه الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية اليوم ، تؤهلها ، ورغم انها ما زالت تتأثر الى حد ما بالمحسوبيات السياسة التقليدية ، على السيطرة على اي قدرة او قرار لاي طرف لبناني داخلي، له مصلحة بخربطة الاستحقاق النيابي المرتقب .
لناحية إمكانية حصول أعمال إرهابية على الساحة اللبنانية ، بحيث تكون تداعياتها مؤثرة لدرجة إلغاء او تأجيل الإنتخابات، إذا كان مصدرها الداخل اللبناني عبر خلايا نائمة ، أو خارج لبنان عبر إنتقال مجموعات ارهابية موجهة ، فإن كل المعطيات المتعلقة بهذه المجموعات، الداخلية او الخارجية، لا توحي بوجود إمكانية لها لتنفيذ هذه الأعمال ، خاصة ان القدرات الفنية والاستعلامية والتنظيمية للاجهزة الامنية والعسكرية، وصلت إلى مستوى مرتفع مقارنة مع السابق، وستكون قادرة ، على الاقل اذا لم تمنع أي عمل إرهابي قبل حصوله ، ستكون قادرة على حصر تداعياته ومنع انتشار تأثيراته في الداخل اللبناني ، وذلك من خلال انتشارها الواسع في كل المناطق اساسا ، او من خلال الجهوزية الاستثنائية التي ستعتمدها اثناء العملية الانتخابية وما قبلها بقليل تقريبا .

لناحية الاطراف السياسيين الداخليين : لا أحد يجاهر بانه يريد التأجيل او الإلغاء ، خاصة أن مَن بدأت الاحصاءآت العلمية وتوقعات الحواصل استنادا للتحالفات التي افرزتها المواقف السياسية الاخيرة ، تشير إلى الاحتمال الكبير وشبه المؤكد لخسارتهم ، او الى عدم حصولهم على ما كانوا يتوقعون، فان هؤلاء بالأساس كانوا دعاة حصول انتخابات مبكرة ، وهم الذين راهنوا عليها لتقوية موقعهم النيابي، لذلك لن يجرأوا على رفضها اليوم صراحة بالرغم من انهم اصبحوا ضمنيا مع تأجيلها ، ولكنهم عمليا ، لا يملكون القدرة بتاتا لعرقلة حصولها ، لا سياسيا ولا قانونيا ولا أمنيا .

لناحية التدخل السياسي الخارجي : لا شك ان التأثير الخارجي المباشر هو من واشنطن ، بالرغم من ان الاوروبيين يعبرون عن اهتمام واسع بهذه الانتخابات المرتقبة ، ولكن يبقى مستوى قدرتهم على التاثير فيها ضعيفا مقارنة مع قدرة الاميركيين ، وخاصة السفيرة وطاقم عمل السفارة من دبلوماسيين وموظفين ، او موجهي ومديري الجمعيات التي تعمل في لبنان منذ فترة طويلة ، والتي تنشط لاهداف دائمة تتعلق بمحاولة شيطنة حزب الله ، أو تنشط موسميا كل دورة انتخابات نيابية في لبنان، بهدف توجيه نتائجها لمصلحة إستراتيجية إضعاف موقع حزب الله ، عبر اضعافه بطريقة مباشرة وهذا عادة ما يكون صعبا او مستحيلا ، او عبر محاولة إضعافه بطريقة غير مباشرة ، عبر إضعاف حلفائه من خلال العمل لافقادهم اكبر قدر من عدد نوابهم في السلطة التشريعية ، والتي ، استنادا للدستور اللبناني ، تؤسس لتكوين كل السلطات الاخرى التي تحدد سياسة الدولة اللبنانية .

بالنهاية وكما هو ظاهر حاليا ، فان الجانب الاقليمي ، والذي كان دائما يشارك في الانتخابات النيابية اللبنانية ، عبر التمويل او عبر الاعلام او عبر التحريض المذهبي والسياسي ، يبدو انه منكفىء اليوم ، حسب ما يُعلن طبعا وليس حسب ما يضمر حقيقة ، وهذا الانكفاء ، حتى ولو لم يكن حقيقيا ، فان قدرة هذا الجانب على عرقلة الانتخابات في النواحي المذكورة اعلاه هي قدرة محدودة مبدئيا ، الاَ تحت عنوان وحيد وهو الاعتكاف جماعيا عن الانتخابات ، بحيث تستطيع فرض ذلك من خلال موقعها المذهبي القادر على التاثير في شريحة واسعة معينة ، وهذا العنوان والذي قد يؤدي إلى تأجيل الإنتخابات، هو عنوان الميثاقية، والقادر على الإطاحة بالانتخابات اذا اعتكف مذهب كامل عن المشاركة ، ترشيحا وانتخابا، بحيث تكون النتائج غير ميثاقية حسب روح الدستور ، فتكون هذه الحجة : ” الميثاقية ” ، والتي كانت عمليا هي العلة التي ساهمت في تقويض الاستقرار وفي تعثر دولة القانون والمؤسسات ، هي الوحيدة التي ستكون حجة تأجيل الانتخابات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock