.

منهج روسي نشط في إفشال العقوبات.. استدارة فعّالة نحو إفريقيا 

باتت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة على روسيا بلا قيمة مع سياسة الانفتاح الواسع التي اتبعتها القيادة الروسية باستدارتها نحو المعسكر الجنوبي، وخاصة إفريقيا، لا سيما اتجاه الدول الغنية بالمعادن والثروات الطبيعية، معززة علاقاتها مع العديد من هذه الدول على مختلف المستويات التجارية والاقتصادية والمالية والطاقة بما فيها الطاقة النووية.

وفي هذا السياق، كتب فوك فوكسانوفيك (Vuk Vuksanovic) في مقالة نُشِرت على موقع “ناشيونال إنتيرست” (National Interest) تحدّث فيها عن اهتمام روسي عميق حيال إفريقيا، وعن سعي موسكو إلى الانخراط في العديد من القطاعات هناك، لافتًا إلى أنّ ذلك يساعد في تسليط الضوء على الفشل السياسي للغرب وعجزه عن إلحاق ضرر اقتصادي أكبر بروسيا، وأحد أسباب هذا العجز كون بقية العالم غير مستعد لانتهاج سياسة الغرب.

ويلفت الكاتب إلى أنّ البنية التحتيّة التجاريّة أيضًا توفّر مسلكًا لتجنّب العقوبات، وبأن الدول الإفريقية لا تدعم العقوبات الغربية ولم تمنع السفن الروسية من استخدام موانئها، خلافًا للبلدان الأوروبية، ما يعني أنه يمكن بالتالي صيانة السفن الروسية في هذه الموانئ، فضلًا عن أن الوصول إلى الموانئ في دول البحر الأحمر مثل مصر والسودان هو في غاية الأهمية. 

أما على الصعيد المالي، فقال الكاتب إنّ القطاع المصرفي الموجود في الدول الإفريقية يمكن أن يساعد روسيا في التعاملات المصرفية والمالية في مواجهة العقوبات. 

ووفقًا للكاتب فقد استفادت روسيا من الذهب في السودان والماس في جمهورية إفريقيا الوسطى، وذلك من خلال الدعم السياسي والعسكري للعديد من الأنظمة في إفريقيا، مشددًا على أهمية هذه الموارد للميزانية الروسية، بحيث تجعل اقتصاد البلاد أكثر قدرة على مواجهة العقوبات.

أما القطاع النووي فتحدث الكاتب عن نجاحه في إفريقيا، وذكر في هذا السياق دورًا نشطًا تلعبه شركات روسية مثل “روساتوم” في بناء مفاعلات نووية ومساعدة بلدان إفريقية على الاستجابة لاحتياجاتها في مجال إمدادات الطاقة.

ولفت الكاتب إلى مشروع للشركة المذكورة لبناء أول مفاعل نووي في مصر، وهو مشروع جرى التوصل إليه بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، مشيرًا إلى أنه أكبر مشروع تعاون بين البلدين منذ حقبة الخمسينيات. كما ذكر بأن الحكومة الروسية وقعت على تسع عشرة اتفاقية بين عامي 2015 و2019، والتي ترتبط بالتعاون العسكري مع الحكومات الإفريقية.

وتحدث الكاتب عن توريد موسكو لقرابة نصف المعدات العسكرية المستوردة (44٪) إلى إفريقيا، وذلك ما بين عامَي 2017 و2021، منبهًا إلى أن روسيا تحتل المركز الأول على هذا الصعيد، وأن الجزائر وأنغولا وبوركينا فاسو ومصر وإثيوبيا والمغرب وأوغندا هي من أكبر الدول المشترية للسلاح الروسي.

وشدّد الكاتب على أن روسيا تبدو مستعدة لخوض المعركة من أجل أسواقها، مستشهدًا بالمعرض العسكري الروسي “الجيش لعام 2022” الذي أقيم في آب/ أغسطس عام 2022، والذي شارك فيه 72 بلدًا. كما لفت إلى ما قاله بوتين وقتها عن استعداد بلاده لمشاركة أسلحتها مع الحلفاء في أميركا اللاتينية وآسيا وإفريقيا.

وأكد الكاتب أنّ استدارة روسيا نحو المعسكر الجنوبي وخاصة إفريقيا قد تشكّل تطورًا مفصليًّا مرتبطًا بتداعيات الحرب في أوكرانيا. وبينما قال، إن دول هذا المعسكر قد لا تملك القوة المالية مثل الاقتصادات الغربية، شدد على أن المساحات الجيوغرافية الشاسعة لهذه الدول، فضلًا عن عديد سكانها ومواردها، إنما تجعلها شريكة مهمة للقوى غير الغربية مثل روسيا والصين. وأكد ضرورة أن يتذكر ذلك صناع السياسة الغربيون.
 
وفي السياق ذاته كتب الدبلوماسي التشيلي السابق جورج هيين (Jorge Heine) في مقالة نشرت على موقع “آسيا تايمز” (Asia Times) يتحدث فيها عن مساعٍ مكثفة يبذلها الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا من أجل محاولة تسوية النزاع في أوكرانيا، مذكّرًا بأن دي سيلفا أجرى محادثات مع نظرائه: الأميركي جو بايدن، والصيني تشي جين بينغ، والأوكراني فلاديمير زيلينسكي.

ورأى الكاتب أن أحد أسباب تمكّن البرازيل من لقاء كل هذه الأطراف هو حرصها على عدم الانحياز لأيّ طرف في الحرب، مشيرًا إلى أن البرازيل تتبنى بالتالي نهج “عدم الانحياز النشط”.

وأوضح الكاتب بأن ذلك إنما يعني رفض دول المعسكر الجنوبي الانحياز إلى طرف معين في الصراع بين القوى الكبرى والتركيز حصرًا على المصالح الذاتية.

وقال الكاتب: “إنّ الفرق بين عدم الانحياز الجديد هذا والنهج المماثل الذي تبنّته دول قبل عقود هو أن الدول النامية أكثر قوة بكثير مما كانت عليه، حيث أصبح من بينها قوى ناشئة”، لافتًا إلى أن الناتج المحلي الإجمالي على صعيد القدرة الشرائية للدول الخمس الأعضاء في منظمة بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا) تخطى ذلك الذي تملكه الدول السبع الكبرى.

وشدد الكاتب على أن هذه القوة الاقتصادية المتنامية إنّما تعطي الدول غير المنحازة المزيد من النفوذ الدولي، وتسمح لهم بوضع مبادرات جديدة وبناء ائتلافات دبلوماسية بشكل لم يمكن ممكنًا في السابق.

أما على صعيد الحرب في أوكرانيا، فقال الكاتب، إن الموضوع يعني عدم دعم أي من روسيا أو حلف الناتو، منبّهًا إلى أن البرازيل ليست البلد الوحيد في المعسكر الجنوبي الذي يتبنّى هكذا موقف، ذاكرًا في هذا السياق السياسة التي تتبعها دول في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية بعدم الوقوف مع “الناتو”.

وأضاف الكاتب بأن بعض الدول “الديمقراطية” التي تعد الأكبر على صعيد عديد السكان، مثل أندونيسيا وباكستان وجنوب إفريقيا والبرازيل وغيرها، رفضت الانحياز لصالح “الناتو”، كذلك لفت إلى أن كل الدول تقريبًا في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية لا تدعم العقوبات الدبلوماسية أو الاقتصادية ضد روسيا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى