.

"دويك.. يا دويك"

مصطفى خازم

برحيل عبد الله الحمصي تطوى صفحة جديد من صفحات النقاء في الكوميديا اللبنانية، فالراحل ليس شخصية عادية، ليس لأنه ابن كار، أو ابن عائلة فنية.. بل لأنه نقيض كل هؤلاء.

بسيط، متواضع، ابن طرابلس المعطاءة والشريفة والكريمة.

مثّل مع الثنائي “درباس” و”أبو سليم الطبل” نهكة ميزة بلهجتهم المحببة، المتواضعة.. وكانوا يمثلون الشريحة الأوسع من الشعب اللبناني، بكل فئاته وطوائفه.
جسدوا في التمثيل حقيقة واقعهم المعاش، فهم من أهل الأطراف، رغم أن طرابلس تلقّب بعاصمة الشمال، نزلوا إلى العاصمة لتجربة حظهم مع الرزق والمدنية.
جلبوا معهم نقاوة بيئتهم وطيبة أهلها واصطدموا بـ “المحتال” المديني.. الذي يصفه البعض بـ “الحربوق”، المتسلق على أكتاف العاملين بكد عرقهم، أو المتمرس خلف رأسمال كسبه من حرام أو سرقة أو تزوير.. ألخ.

بقي “أسعد” بـ “لبادته” يمثل فيها كل الأدوار، حافظ على صورة أبناء الشمال الزاخر برجالات كثر حاربوا الاقطاع والاستعمار وكانت “اللبادة” رمز النخوة والشهامة.. أمثال ” مصطفى بربر أغا زاده آل القرق” وغيره ممن عرفهم اللبنانيون عبر مسلسلات تاريخية استحقت أن تعرض لأعوام وأعوام.

تشكلت صورته التمثيلية على مراحل لكن أبرز نقاط سطوعها كانت مع أبو سليم والفرقة التي اشتهر منها أيضاً فهمان ودرباس وشكري وجميل وأبو نصره.
“دويك.. يا دويك” وصرخته الشهيرة: “بونجور ستنا بيروت” لا تزال ترسم الضحكة في الأذهان، لأنها شكلت أول حالة اعتراض على التمييز الذي يمارس على الأطراف من قبل المركز، والذي يكاد يستولي على كل شيء حتى على تشكيل الهوية، رغم أنه فاقد لأبسط معالم الانتماء للأرض جراء التغرب والتمثل بكل ما لا يمت إلى الجذور بصلة.
“أسعد”.. رحلت وأخذت معك بعض الوطن الذي حلمت به ببراءتك المعهودة، وسلة خبزك والبيض البلدي على زندك واللبادة، على أمل ان يستفيق البعض من غفوتهم تاركين للناس بسمة حقيقية على أبواب عيد جديد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى