.

جنين… بين ما حققته المقاومة من إنجازات… وما حققه العدو من إخفاقات

كتبت مريم نسر في جريدة “الديار”

حين تحدث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن حكومة المجانين الصهيونية، كان يحاوِل استقراء ما يمكن أن تتخذه من قرارات. فهذه الحكومة تضم في ائتلافها عناصر تحاوِل إثبات موقعها السياسي من خلال الابتزاز والمزايدة، وبخاصة أنها تواجِه معارضة تَعتبر الوضع الأمني داخل الكيان هو الخاصرة الرخوة التي يمكن أن تَنفذ من خلالها لإضعافها. ومنذ تعيين إيتمار بن غفير وزيراً للأمن القومي على خلاف النصيحة الأميركية، يواجِه رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو تحديات أمنية متلاحقة، وبما أن اليمين الصهيوني يَجنح بطبيعته الى استخدام الضغوط بوجه الفلسطينيين، ولا يعتمد سياسة الاحتواء عبر التسويات الداخلية مع السلطة، فإن الأوضاع الأمنية المتدهورة في قلب الكيان: وفي منطقة يهودا والسامرة بالتحديد (اسم يطلقه العدو على الضفة الغربية ويعتبره قلب الكيان التاريخي)، أخرجت القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية عن توازنها المفقود أصلاً.

ونظراً لوضع الحكومة الصهيونية وضغوط المعارضة التي تتهمها بالفشل، بعد العدوان على غزة واستمرار العمليات في الضفة، وبعد تفجير العبوات في الآليات الإسرائيلية، وارتفاع عداد العمليات والخسائر البشرية في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ولأن الحكومة لا تملك أي إنجاز تبرِّر فيه بقاء الإئتلاف على المستوى الدولي والإقليمي وجبهة لبنان، قررت القيام بعملية استعراضية ظهرت ملامحها بالحشد الكبير للآليات واستخدام الطائرات في جنين، باعتبارها الأكثر خطراً على العدو بتركيبتها لسببين:

1 – العقيدة القتالية الموجودة لدى شباب جنين والبيئة الحاضنة.

2 – تطور القدرة القتالية والمهارات، والتقدّم الذي شهدناه بتصنيع العبوات.

فمنذ عام 2002، تاريخ عملية «السور الواقي» التي حاول فيها الجيش الصهيوني القضاء على منبع المقاومة في الضفة (جنين)، عاد وتفاجأ بعد ٢١ عاماً أن مخيّم جنين بحجمه الصغير جغرافياً، أنبت جيلاً جديداً من المجاهدين المتمردين على خيارات التسوية، والمتأثرين بنموذج التضحية لشهدائها، والمرتبطين ثقافياً وعاطفياً وحتى تنظيمياً بإدارة حركة الجهاد الإسلامي في غزة، التي كان يقودها الشهيد عز الدين الذي استُشهد بالعدوان الأخير عليها. وبما أن جنين حاضنة للبنية التحتية المنظمة للجهاد (سرايا القدس)، بالإضافة الى وجود أفراد تابعين لحركة حماس، عدا تشكيل عرين الأسود والأسود المنفردة، بقيَ الهدف الإسرائيلي القضاء على خلايا المقاوَمة، التي تشكّل خطراً على جبهته الداخلية والقابلة للنمو، خاصة بعد عمليات عرين الأسود والأسود المنفردة.

في العدوان الأخير على جنين، اكدت مصادر في محور المقاومة ان الرهان الإسرائيلي كاد أن يُحقِّق بالضربة الأولى إنجازاً معنوياً كبيراً بالاستهداف المُباغِت لمكان تجمُّع المجاهدين، والتسريب للإعلام «الإسرائيلي» أن العملية أدت الى قتل 16 مجاهداً دفعة واحدة، ولكن المفاجأة كانت أن عدد الشهداء لم يتجاوز الثلاثة، وأن بقية المجاهدين قاموا بانسحاب تكتيكي عبر الأنفاق، وحملوا معهم التجهيزات الضرورية لتعطيل التقدّم الإسرائيلي. صحيح أن العدو لم يحدِّد سقفاً للعملية، لكن كان مخططه إنجازها بـ 48 ساعة، أي بأيام قتالية لعدم الوصول الى حرب، ولمنع التداعيات الدولية والإنسانية وتدخّل الساحات الحليفة للضفة.

«أيام قتالية» لم يُحقِّق العدو خلالها أهدافه التي وضعها كعادته، بحسب المصادر نفسها، رغم ترويجه لبعض الإنجازات من قتل واعتقال!! فهو لم يستطع إلغاء دور جنين المقاوِم، فالعملية لم تترك أي أثر، باعتبار أن عمليات المقاومة مستمرة، ما يعني أن العدو بعدوانه لم يُحقِّق أيا من الأهداف الفعلية والمعنوية، حتى المستوطنون يسألون الحكومة عمّا حققته بعملية كان أحد أهدافها إرضاءهم، إلا أنهم مرة جديدة يفشلون في تحقيقها.

فالإخفاق الرئيسي، ورغم أنه رُصِد عدد كبير من المُصابين الذين تم نقلهم عبر الطائرات المروحية، كان باعتراف العدو بجزء منهم في الساعات الأخيرة، مُعلِناً أن هناك عدداً من الإصابات المؤكَّدة التي لحقت بالجيش «الإسرائيلي»، الذي دخل المخيّم رغم أنه لم يستطع الوصول الى وسطه، فهُم دخلوا الى الثلث الأول منه ، وبعدها قاموا بمناورة أثناء الإنسحاب من خلال هجوم جزئي من الجهة الغربية. وليُبرِّر للداخل أحد أسباب انتهاء العملية، سمح بنشر صوَر لمُصابين من الجيش الصهيوني، بهدف تخفيف الضغوط السياسية عليه، وقام بالإيحاء للرأي العام بالخسائر المتوَقعة بحال أكمل الجيش العملية.

وفي ما يتعلّق بإيجاد مَخارج أيضاً لإخفاء الفشل، تضيف المصادر ان حكومة نتنياهو تعتمد استراتيجية خاصة، عندما لا تكون متيقنة من الأهداف بتحويلها من العسكرية للأمنية الغير قابلة للإفصاح، باعتبار هذه طبيعة العمل الأمني، وبالتالي تكون غير مضطرة الى تبرير توقّف العملية بلحظة مُحدَّدة، وكأنها توحي للرأي العام أن الهدف الأمني تحقَّق ولا يجب الكشف عنه.

أما عن المقاومة وما حققته من إنجازات بعد انتهاء العدوان على جنين:

1 – إفشال هدف العدو وهو سحق خلايا المقاومة.

2 – تكريس رمزية جنين كقلعة مقاوِمة.

3 – التأكيد للعدو أن لا عدوان بلا خسائر.

4 – ترسيخ معادلة وحدة الساحات كعامل ضغط لمنع توسيع العدوان وإطالة مدّته، لأن احتمال تدخُّل ساحات أخرى هو من العوامل المؤثِّرة في قرار العدو بوقف العملية.

إذاً، بما أن العدو هدفه تغيير المعادلة، فإن عملية جنين أفشلت خطة تغيير المعادلات، تقول المصادر، وبالتالي فإن تكرار المحاولة الإسرائيلية خاضع لتوافر العناصر المطلوبة لنجاحها عند العدو، رغم النية العدوانية المستمرة عنده، من هنا نرى في كل مرة وعند حصول أي عدوان إسرائيلي، أن المقاومة تعمل دائماً لتطوير عناصر القوة التي تردع العدو وتفرض معادلات، وتمتلك القدرة على تثبيتها حتى تصل الى هدفها بالقضاء على وجوده نهائياً…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى