.

اللواء د. حسن حسن لـ"العهد": انتصار تموز 2006 مستمر ومتصاعد

محمد عيد

لا تزال تداعيات حرب تموز ٢٠٠٦ والانتصار المذهل للمقاومة الإسلامية في لبنان على أقوى جيش في المنطقة تشغل الفكر الاستراتيجي لكل المدارس العسكرية في العالم لأنها اجترحت حلولًا عبقرية لهيمنة الأسلحة المتطورة في جيش الاحتلال، والأهم أنها رسّخت في بال العدو قبل الصديق أن زوال هذا الكيان هو مسألة وقت ليس إلا وأن المقاومة التي مرغت كرامته بالأرض في أصعب الظروف ليس عسيرًا عليها اقتلاعه من جذوره ضمن خطة متكاملة لمحور المقاومة وفي ظروف لا تقارب الظروف الصعبة التي عاشها المحور في حرب تموز بأي شكل من الأشكال.

حول الانتصار العبقري للمقاومة الإسلامية في حرب تموز وآثاره، وتقدير الموقف بالنسبة للحلفاء في سوريا وإيران، أجرينا هذا اللقاء مع الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء الدكتور حسن حسن.

 1- كيف نجحت المقاومة الإسلامية في جعل الكيان الصهيوني يعيش حالة من “العمى الاستخباراتي” قبيل حرب تموز لدرجة أن قدرات المقاومة فاجأته بشكل كبير؟

مواجهة عدو شرس كالعدو الإسرائيلي ليست مجرد كلام يقال، وفرض الهزيمة عليه لا يكون بالأمنيات وأحلام اليقظة، بل ثمرة جهود وتضحيات وإعداد واستعداد وبناء القدرات الذاتية والموضوعية، وحسن استثمارها بالشكل الأمثل، وهذا فعل منظم وهادف وممنهج إلى جانب الإرادة والتصميم ومراكمة عوامل القوة، والبناء على ثغرات العدو، وكل هذا يندرج تحت عنوان الصبر الاستراتيجي الذي تميزت به المقاومة وأدائها الخلاق، وهنا يمكن الإشارة إلى عدد من النقاط المهمة، ومنها:

• السرية التامة في كل التدريبات وإعداد المقاتلين المؤمنين بقضيتهم ومقاومتهم الإعداد اللازم ليوم المواجهة الحتمي.
• حصر المسؤولية والتراتبية القيادية، فلكل مجاهد دور محدد لا يجوز أن يتعداه، ولا أن يتدخل بما يفوق المسؤولية الملقاة على عاتقه.
• الثقة التامة التي لا يخامرها شك بين قيادة حزب الله وقمة هرم السلطة والمسؤولية في العمق الاستراتيجي الداعم لها ممثلا بسورية وإيران.
• متابعة الإعلام المعادي والدعاية الإسرائيلية المرتكزة على التهويل وتضخيم القدرات الذاتية، والاستهتار بقدرات العدو انطلاقاً من أن “تل أبيب” مدعومة بالمطلق من القوة الأعظم عالمياً، ومتابعة عربدات أولئك بحذر وترقب، وتركهم في غيهم يعمهون.
• الردود المدروسة بعناية على تلك الدعاية عندما يتطلب الأمر بالشكل الذي يزيد من غرور الإسرائيليين، ويثني نظر قادتهم عن نقاط الضعف والوهن التي ركزت عليها المقاومة “أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا”.
• البيئة الشعبية الحاضنة للمقاومة التي إليها تنتمي، والاعتماد عليها بما يظهر أي تحرك أو جهد منظم على أنه سلوك روتيني تفرضه طبيعة الحياة اليومية لسكان الجنوب.
• فشل عملاء الداخل اللبناني الذين تعتمد عليهم تل أبيب بجمع المعلومات في قراءة طريقة تفكير المقاومة وسلوكها.
• الانطلاق من قناعة تامة بأن الأقمار الصناعية ترصد كل حركة لرجال المقاومة، وتوخي الحذر العالي والمسؤول في كل سلوك أو فعل أو اتصال أو تواصل.

2- في حرب تموز بدا وكأن المنطقة على حافة حرب إقليمية لكن المعارك بقيت في حدود لبنان وفلسطين المحتلة. ما الذي حال دون دخول سورية وإيران بشكل فعلي في المعركة وأي مصير كان ينتظر المنطقة لو أنهما فعلتا ذلك. ألم تكن فرصة ضائعة من شأنها أن تجتث الكيان؟

أوضح سماحة السيد حسن نصر الله أكثر من مرة في خطاباته وكلماته أن سورية كانت جاهزة لدخول الحرب في أي وقت منذ لحظة أسر الجنديين الإسرائيليين، ولو أن تداعيات المواجهة رجحت كفة العدو الإسرائيلي في أية مرحلة، ولأي سبب لكان انخراط الجيش العربي السوري حتمياً، وقد كانت التشكيلات المقاتلة في حالة جاهزية قتالية عالية طيلة أيام الحرب.

الأمر الآخر الذي يجب التوقف عنده في هذا المجال هو الجانب المعنوي، فالمقاومة مطمئنة إلى أن ظهرها محمي، وليست وحيدة في المعركة قط، وأن الدعم جاهز ورهن الإشارة، وطالما أن الصمود في المواجهة وخوض الأعمال القتالية مضمون، فمن المهم تسجيل انتصار المقاومة على هذا العدو المتغطرس، ودلالات الانتصار ومعانيه تتضاعف داخلياً وإقليمياً ودوليا ببقاء سورية أو إيران في صفوف المتابعين والداعمين، وليس المشتركين بشكل مباشر، كما أن انعكاسات ذلك على الداخل الإسرائيلي عندما يتيقن المستوطن أن الجيش الذي تم التبجح بأنه لا يقهر قد قهر وأذل من حزب الله وحده، فكيف لو دخلت سورية أو إيران أو كلتاهما ميدان المواجهة المفتوحة.

علينا ألا ننسى أن الحرب كمفهوم لا تقتصر على خوض الأعمال القتالية، بل هي أعم وأوسع وأشمل من الصراع المسلح، ويندرج في طيات هذا المفهوم جميع الجهود السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية و..و…الخ. التي  يبذلها هذا الطرف أو ذاك. وهنا تظهر أهمية بقاء سورية على خط الانتظار والجهوزية فقامت بما يجب لتوفير البيئة المناسبة وكل متطلبات استيعاب المهجرين من أهلنا في الجنوب المقاوم، وتأمين أماكن إقامتهم الآمنة والكريمة، وهذا يجعل المقاومين في ساحات القتال يقاتلون بكفاءة أعلى وهم موقنون أن أسرهم وأهليهم بأمان، وكذلك الأمر في تأمين عودة أولئك المهجرين بأسرع وقت ممكن مع الساعات الأولى لوقف إطلاق النار، وتفويت الفرصة على من كان يراهن على بقاء المهجرين بعيدين عن أرض الجنوب التي ما ازدهرت إلا بهم، ولا قدمت المعجزات إلا بفضل نقاء انتمائهم ووفائهم لأرضهم ولمقاومتهم الصامدة المنتصرة رغم أنوف طواغيت الكون.

3- أي نوع من السلاح ردت له حرب تموز الاعتبار بعدما أثبت فعاليته في الميدان؟ وما هو موقف روسيا من النجاح المبهر الذي حققه سلاحها المضاد للدروع وما بات يعرف بمجازر الميركافا؟

كل ما احتاجته المقاومة في الميدان تم تأمينه، ولم يعد سراً أن مخازن الجيش العربي السوري فتحت أمام متطلبات امتداد الحرب حتى بلوغ النصر، وهذا يفسر استمرار وتيرة القصف الصاروخي الذي طال العمق المعادي وازدياد زخمه حتى لحظة إعلان وقف إطلاق النار. ولا يمكن لمتابع مهتم أن ينسى تلك اللحظات التي تم ضبط إيقاعها بمنتهى الكفاءة فكان تزامن إلقاء سماحة السيد نصر الله خطابه في اللحظة التي تم بها استهداف البارجة الإسرائيلية “ساعر” التي كانت تقصف بيروت، واشتعلت بها النيران وتم نقل ذلك بالصوت والصورة عبر الشاشات.

الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية تمثل بدخول الصواريخ المضادة للدروع، وبخاصة صواريخ “كورنيت” التي فتكت بفخر الصناعة الحربية الإسرائيلية دبابات “الميركافا” وغيرها، وحولتها إلى كتل فولاذية ملتهبة وعاجزة عن التقدم ولو لأمتار قليلة، وما صمود “مارون الراس ـ بنت جبيل…” وغيرهما من البلدات الجنوبية الحدودية إلا الوجه الآخر لبطولات المقاومين في وادي الحجير وعلى امتداد خطوط النار طيلة ثلاثة وثلاثين يوماً، وخوض أشرس الأعمال القتالية وأعقدها في العصر الحديث، وقد استعاد السلاح الروسي هيبته وسمعته بأيدي المقاومين المجبولين من إيمان وإرادة، وبالمقابل تآكلت سمعة السلاح الغربي ولا سيما المدرعات بعد حرب تموز وآب 2006م. ومن المهم التذكير هنا بأن مواصفات السلاح ودقته وطاقته التدميرية مهمة، لكن الأهم الأيدي التي تستخدمه، والمقاتل النوعي الذي يتقن استثمار ميزاته الفنية والتعبوية بالشكل الأمثل، فالسلاح الروسي بأيدي المقاومين من حزب الله تربع على هرم الأهمية والفاعلية التي يمكن المراهنة عليها في الفكر العسكري الاستراتيجي المعاصر.

4- دائما يقول محللو محور المقاومة إن الحرب على سوريا جاءت كرد فعل على انتصار تموز والتجييش المذهبي كذلك، لكن في المقابل لماذا أضاع محور المقاومة الفرصة التاريخية للبناء على انتصار تم؟

لا شك أن انتصار حزب الله زاد من حقد الأعداء على سورية بخاصة، وعلى جميع أقطاب محور المقومة بعامة، لكن الموقع الاستراتيجي لسورية، والدور الرائد الذي اضطلعت به عبر عقود قبل حرب 2006 جعلها تتبوأ بحق منزلة “واسطة عقد المقاومة”، والحرب المفروضة على الدولة السورية منذ آذار 2011 هي حرب على الدور والهوية والتوجه والانتماء، وليس أي أمر آخر.

أما بما يتعلق بأن محور المقاومة أضاع الفرصة التاريخية للبناء على الانتصار فلا أرى أن الأمور تحسب بهذا الشكل، لأن محددات العمل والسياسة الخاصة بالدول تختلف عنها لدى التنظيمات وحركات المقاومة، كما أن دخول دمشق وطهران يستوجب طريقة تعامل أخرى ورد فعل مختلفا من أطراف المحور الصهيو ـ أمريكي ومن يدور في فلكه  في مرحلة لا وجود فيها لقوة عظمى تفكر ـ مجرد تفكير ـ أن تقول لا لواشنطن التي انفلتت غطرستها من كل عقال، وغدت وحشاً مسعوراً ينشر الخراب والدمار والقتل والإجرام من دون حسيب أو رقيب. وهنا يمكن القول بكل ثقة ويقين: إن أهم ما يمنح انتصار تموز ألقه الاستثنائي هو قدرة حزب الله على الاستثمار في اللحظة التاريخية التي تخطت الحتميتين الجغرافية والتاريخية بآنٍ معاً، ففي 2006 كانت أمريكا تتخايل في مشيتها، وتسوي جلستها لتكون أكثر راحة ومتعة وهي تعتلي سنام التحكم بالعالم، والجميع منبطح وخانع، وكانت “تل أبيب” تسن أنيابها السامة لتقطيع دول المنطقة بما يتناسب واستطالات شرق أوسط كونداليزا رايس، وعلى وقع أقدام المقاومين من حزب الله توقف الزمن، وأعاد العالم ضبط توقيت ساعته التاريخية، وعلى مشارف مارون الراس وبنت جبيل تراكمت مقبرة الميركافا والسوبر جندي الإسرائيلي الذي غدا أسيرا وقتيلاً، وسطعت شمس اليقين بنصر رب العالمين ورجال الحق المبين، وهم يقوضون بيت العنكبوت الدخيل ليقف جيش الاحتلال وزعاماته ومستوطنوه منذ 2006 وحتى اليوم على “إجر ونص” وبالتالي البناء على الانتصار تم وبكفاءة عالية، وهو مستمر ومتصاعد، وما تمكين الحركات المقاومة في فلسطين المحتلة إلا الشاهد الأبلغ على دقة هذا الاستنتاج، والمتابع اليوم لما يعيشه الداخل الإسرائيلي من شروخ وانقسامات وتآكل متسارع في قدرته على الردع  يدرك كم أن هذا الكيان مأزوم زعامات ومستوطنين إلى درجة التشكيك بإمكانية تجاوز الذكرى الثمانين لإقامة كيانهم السرطاني الآيل إلى زوال حتمي عاجلاً أم آجلاً، وكلما ازدادت عوامل الإفناء الذاتي كلما كانت دليلا على الكفاءة في تحصين الانتصار والبناء عليه.

لا يفوتني بهذه المناسبة أن أتوجه بالتهنئة القلبية لجميع عشاق المقاومة نهجا وثقافة وسلوكاً يومياً رسم معالمه وعبد طرقاته قادة عظماء تركوا بصمتهم الذاتية واضحة في هندسة لوحة الانتصار الذي لا يمكن أن ينسى اسم الشهيد القائد الحاج قاسم سليماني والشهيد القائد الحاج عماد مغنية، وبقية الشهداء الأبطال لأرواحهم الطاهرة الرحمة والتقديس والخلود.
كل عام وأنتم بخير يا رجال الله على الأرض.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى