.

حاكميّة المصرف الى تصريف الأعمال بديلاً عن التعيين والتمديد… غطاء حكومي ومنصّة جديدة لرواتب القطاع العام العسكري والمدني

كتب محمد بلوط في جريدة “الديار”

كيف ستكون المرحلة الانتقالية على الصعيد النقدي والمالي، بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في نهاية الشهر الجاري؟ صار معلوما ان الخيار المتاح هو خيار الممكن، لا سيما بعد اصطدام المساعي لتعيين حاكم جديد بـ«فيتو» سياسي مسيحي من الكتلتين الكبيرتين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر».

ووفقا لمصادر مطلعة ان محاولات تأمين غطاء مسيحي للتعيين، تكثفت في الايام الماضية من قبل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وبمعاونة وليد جنبلاط، الذي اعتبر نجله تيمور في تغريدة له امس «ان الحد الادنى من منطق حماية ما تبقى من مؤسسات يقتضي تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان».

وكان يعول على ان تقتنع الكتلتان المسيحيتان، بان الحل السليم الذي يفترض ان يكون هو بتعيين حاكم جديد، وان البديل لن يكون غير مسار تصريف الاعمال بالحد الادنى، وتعريض الوضع النقدي لمزيد من الاهتزازات في ظل الظروف الصعبة اصلا.

والمعلوم ان احد هذين الطرفين رئيس «القوات» سمير جعجع كان قبل شهر او اكثر لا يمانع تعيين حاكم جديد من قبل حكومة تصريف الاعمال بشكل استثنائي، نظرا الى الحاجة لملء هذا المركز الحساس في هذه الظروف الدقيقة، ولتفادي تداعيات غير محمودة. لكن جعجع تراجع تدريجا عن هذه الرغبة، رغم اقراره في احدى المقابلات التلفزيونية الاخيرة بان الضروريات تبيح المحظورات. وانتهى مؤخرا الى معارضة التعيين لمصلحة تنفيذ قانون النقد والتسليف، وتولي النائب الاول للحاكم وسيم منصوري المهمة، وتحمل مسؤولية تمرير المرحلة الانتقالية الى حين انتخاب رئيس الجمهورية. ولم يصدر عنه اي تفسير واضح لهذا التراجع، سوى ان الاولوية يجب ان تكون لانتخاب الرئيس، وعقد جلسات متتالية لتحقيق هذه الغاية.

وبقي رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل متمسكا بموقفه الرافض كليا لاي تعيين من قبل حكومة تصريف الاعمال، بما في ذلك تعيين حاكم مصرف لبنان، مقترحا مرارا تعيين حارس قضائي يرى انه يستطيع قيادة المرحلة الانتقالية.

ووفقا المعلومات ان المساعي لتعيين حاكم جديد، توجهت في الايام القليلة الماضية الى البطريرك الماروني بشارة الراعي لتوفير عناصر الغطاء المسيحي لهذه الخطوة، لكن هذا الجهد لم يصل آلى النتائج المرجوة، وقيل ان بكركي لا تمانع التمديد لسلامة كحل مؤقت ريثما يجري انتخاب رئيس الجمهورية. وتقول المعلومات ان البطريرك الراعي لم يكن متحمسا لتعيين حاكم جديد في ظل الشغور الرئاسي ، لذلك لم يسع الى تأمين غطاء مسيحي لهذه الخطوة، كما كان يأمل الساعون اليها.

وفي ضوء هذه التطورات المتسارعة، عقد ميقاتي اجتماعا امس مع نواب الحاكم الاربعة، في حضور نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ووزير المال يوسف خليل، واستمع الى هواجسهم ومطالبهم التي عرضوها في اجتماعي لجنة الادارة والعدل الاسبوع الماضي. وكان معلوما ان سلة مطالبهم غير ممكن تحقيقها في غضون ايام او اسابيع، وان البند الموضوعي الوحيد الذي يمكن مقاربته، هو موضوع منصة صيرفة واستبدالها بمنصة جديدة مغطاة من حكومة تصريف الاعمال، ولا تستهلك من احتياطي مصرف لبنان المبلغ الذي تستهلكه المنصة الحالية، وتتميز بالشــفافية.

وتقول مصادر مطلعة ان الاجتماع كان ايجابيا، لجهة التأكيد على الحاجة للتعاون بين الحكومة ونواب الحاكم في هذه المرحلة. ورجحت المصادر ان يقدم نواب الحاكم الاربعة على الاستقالة، بعد مهلة الاستمهال 48 ساعة او ربما قبلها، وان يتم تكليفهم تصريف الاعمال.

ويقول مصدر نيابي متابع لهذا الملف انه في حال تصريف الاعمال، فان الصلاحيات ستكون محدودة، وستقتصر وفقا للقانون على الحدود الدنيا . ويضيف ان الخطوة الاسلم هي بتعيين حاكم جديد، متسائلا عن المغزى والعبرة من امتناع بعض الاطراف ومعارضتهم لهذا الخيار، الذي يؤمن الانتقال السلس والمرن الى المرحلة المقبلة بشكل اكبر.

وعما اذا كان البلد ذاهبا الى تداعيات نقدية ومالية والى فوضى كبيرة، يقول المصدر «اننا نعيش هذه الفوضى منذ العام 2019. فليس هناك اي استقرار نقدي او ضمانات جدية وملموسة لتأمين الحد الادنى او الممكن من هذا الاستقرار. اما الاستقرار النسبي لسعر العملة في الفترة الاخيرة فيعود للخطوة الذي اتبعها مصرف لبنان من خلال منصة صيرفة التي تأكل وفق التقديرات حوالى اربعمئة مليون دولار شهريا من احتياطي مصرف لبنان».

ويرى المصدر انه لا توجد ضمانات لعدم حصول اهتزازات نقدية بعد انتهاء ولاية سلامة، مثلما لم يكن هناك ضمانات في السابق قبل الاستقرار النقدي النسبي في الفترة الاخيرة. ويمكن الاستمرار في هذا الاستقرار الهش، اذا احسن التصرف في المرحلة الانتقالية، ليس من قبل نائب حاكم مصرف لبنان الاول وزملائه فحسب، بل ايضا من حكومة تصريف الاعمال.

ويتجه نواب الحاكم الى اعتماد منصة الكترونية بديلة للمنصة الحالية تقتصر على تأمين رواتب القطاع العام من موظفين ومتقاعدين عسكريين ومدنيين، بكلفة تقدر بمئتي مليون دولار شهريا، اي نصف الكلفة الحالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى