اقلام

صيف ساخن في شمال شرق سورية


أحمد رفعت يوسف


إعلامي وكاتب سياسي سوري

المهام والأعمال

ـ مدير الأخبار في إذاعة دمشق 3 سنوات.
ـ رئيس دائرة الأخبار في إذاعة دمشق 12 سنة .
ـ رئيس دائرة أخبار إذاعة صوت الشعب 6 سنوات.
ـ دورات في الإعلام في الصين وإيران وراديو فرنسا الدولي، ودورات متعددة في سورية.
ـ عدة مهمات إعلامية خارجية وخلال زيارات رسمية.
ـ مراسل صحفي معتمد لعدة صحف ومجلات عربية.
ـ نشر في عدة صحف ومجلات عربية.
ـ أصدر مجلة أوروبا والعرب 6 سنوات.
ـ صاحب ورئيس تحرير مجلة سورية والعالم (ترخيص سوري) 5 سنوات.

  • محاضر في كلية الإعلام بجامعة دمشق.

صيف ساخن في شمال شرق سورية

**********************

أحمد رفعت يوسف – إعلامي وباحث سياسي سوري

 

كنكتة سمجة قال البنتاغون الأمريكي “تقديراتنا أن السوريين بمساعدة الروس يريدون منا ترك المنطقة”.

هذا الكلام لا يمكن وصفه إلا بأنه ينتمي إلى “عصر التفاهة” حيث المحتل يستغرب ويستنكر، أن يطالب صاحب الأرض المحتلة، والذي يسرق المحتل ثرواته، ويمارس عليه كل أنواع الحصار والضغوط، بانسحابه من أرضه.

عموماً تصريحات البنتاغون لم تأت من فراغ، وإنما من خلال ما يجري على الأرض، حيث تحشد القوات السورية والروسية (والإيرانية) والقوات الرديفة، في المنطقة المواجهة للتواجد الأمريكي وعملائه في منطقة شرق الفرات، وتجري المناورات العسكرية، على مرأى ومسمع الأمريكيين استعداداً لعمل ميداني.

القوات الأمريكية التي استشعرت الخطر استنفرت قواتها وعملاءها، وتجري ترتيبات على الأرض لتجميع مختلف عملاءها في تنظيم واحد، أسمته (جيش سورية الحرة) المكون من ميليشيات عميلة، من بعض العشائر العربية المتواجدة في المنطقة، في محاولة للتخفيف من التنافر الموجود بين هذه العشائر وميليشيا قسد العميلة، بقيادتها الكردية، مع محاولات لمد هذا التواجد إلى محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، في جنوب سورية، على الحدود مع الأردن والكيان الصهيوني، والعمل على ربط الجميع مع القاعدة الأمريكية في التنف، على المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، وقاعدتها في عين الأسد العراقية.

وجاءت الزيارة التي قام بها المعارض الدكتور محمود دحام المسلط، المقيم في الولايات المتحدة ويحمل جنسيتها، إلى المنطقة التي تسيطر عليها القوات الأمريكية في هذا الإطار، حيث بحث مع عدد من العشائر، التحضير لمبادرة تحظى بالموافقة الأمريكية والتركية، لإعادة صياغة مشروع الإدارة الذاتية في المنطقة الشرقية، ومنح المكون العربي صلاحيات أوسع في إدارة مناطقهم، وتشكيل هيئة تنسيق عليا بين المكون العربي والمجلس الوطني الكردي، بدعم من قبل حكومة إقليم كردستان، يتولى تمثيل منطقة شرق الفرات على المستوى الإقليمي والدولي.

الجديد أيضا في الخريطة التي تزداد تعقيدا في تلك المنطقة، هي الانعطافة التركية الأردوغانية بقناعها الجديد، نحو وجهته الأساسية أمريكا وحلف الناتو، بعدما ضمن فوزه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بمساعدة ودعم روسي إيراني، خاصة وأن تحجيم قوة قسد أو ضمها لميليشيا (جيش سورية الحرة) العميلة، يتوافق مع الرغبة التركية التي تصف قسد بالتنظيم الإرهابي، وتدعي أن وجودها في شمال سورية لمحاربة هذا الإرهاب.

اللافت أن هذه التحركات والرسائل الميدانية والسياسية، ترافقت مع زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى دمشق، والتي تمت قراءتها على أنها ترتبط مباشرة بهذه التطورات، باعتبار أن الوضع في العراق مرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يجري في سورية، حيث أكدت أجواء زيارة السوداني، أن مهمتها الأساسية كانت حمل رسائل أمريكية إلى القيادة السورية، وحمل أجوبة ورسائل سورية إلى الإدارة الأمريكية، حيث من المقرر أن يزور السوداني واشنطن قريباً.

ومع عدم وجود أي معلومات أو بيانات رسمية حول هذه الرسائل، إلا أنه من السهل قراءة أن الإدارة الأمريكية هي اليوم بصدد محاولة منع العملية العسكرية السورية الروسية (الإيرانية) في شرق الفرات، التي تستهدف بشكل رئيسي الوجود الأمريكي ليس فقط في سورية وإنما في العراق وكامل منطقة غرب آسيا، مع تقديم إغراءات لدمشق مقابل ذلك، بالسكوت عن تحسين العلاقات السورية العراقية، بما فيه تشغيل أنبوب النفط العراقي الذي ينتهي في ميناء بانياس على الساحل السوري، والتخفيف من عقوبات قانون قيصر، والتوافق على دخول الجيش السوري إلى بعض المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا قسد العميلة، والتي تعني عملياً تخلي واشنطن عن قسد، مع المطالبة باستئناف عمل اللجنة الدستورية السورية، وفق القرار 2245 وبذلك تحقق واشنطن عدة أهداف دفعة واحدة، في حال موافقة دمشق على ما يعرض عليها وهي:

** منع العملية العسكرية المتوقعة، والتي ستكون الطرف الخاسر فيها أيا تكن النتائج.

** أخذ شرعية (غير مكتوبة) لتواجدها في سورية، لتعادل بذلك الوجود الروسي الإيراني الشرعي.

** التحكم بمسار العلاقات السورية العراقية، وتحديدا الاقتصادية منها.

** تلبية مطالب تركيا حول قسد، لتضمن بذلك المزيد من الاحتواء للموقف التركي، وضبط إيقاع تحركه في سورية على إيقاع تحركات واشنطن، وزيادة التباعد بين تركيا وكل من روسيا وإيران.

أما الهدف الرئيسي وراء كل هذه الإغراءات الأمريكية للقيادة السورية، هو محاولة تنفيذ القرار 2254 وفق الرؤية الأمريكية، وتحديدا في موضوع اللجنة الدستورية، حيث تريد واشنطن الوصول إلى دستور سوري جديد، يستنسخ الدستورين العراقي واللبناني بصيغتهما الطائفية، والذي سيعني بنسخته السورية نهاية سورية كدولة مركزية في بلاد الشام وعموم المنطقة، وهو مطلب إسرائيلي قبل أن يكون مطلباً أمريكياً، لتحقق أمريكا وحلفاءها بذلك في السياسة والضغوط والحصار، ما عجزت عن تحقيقه في الميدان.

من خلال قراءة للأجواء التي رافقت الزيارة، وما قاله الرئيس الأسد والسوداني، يمكن استنتاج الكثير مما يجري وراء الكواليس، وقراءة المسارات التي يمكن أن تذهب إليه الأوضاع، وكان أهمها الحفاوة غير العادية التي لاقاها السوداني في دمشق، إلى درجة خرق البروتوكول الرسمي، ومعاملته كرئيس دولة، وليس كرئيس حكومة، والكلمات الودية غير المسبوقة في تاريخ البلدين من الرئيس الأسد والسوداني، وهذا يؤكد وجود توافق ليس فقط في موضوع العلاقات الثنائية، وإنما في الرؤية إلى تطورات المنطقة كلها، وتحديداً الوجود الأمريكي غير الشرعي في سورية، والمقونن في العراق، وهو مؤشر كبير إلى أن الإرادة السورية، تلتقي عند إرادة معظم المكونات العراقية بإخراج الأمريكيين من سورية والعراق، حيث الوجود الأمريكي في عين الأسد العراقية، والخارجة عن سيطرة الدولة، يعادل الوجود في التنف السورية.

وكان لافتاً هنا كلام رئيس الوزراء العراقي بأنّ “أي جيب خارج عن السيطرة ويأوي المجاميع الإرهابية والتخريبية، هو بقعة مرشحة لتهديد العراق والمنطقة والعالم بأسره” وهذه الإشارة لا يمكن النظر إليها إلا على أنها تقصد بشكل مباشر التواجد الأمريكي في عين الأسد والتنف.

ومما يعزز هذه القراءة، أن كلام السوداني ترافق مع كلام لا يقل أهمية عنه، والذي صدر عن قائد الحشد الشعبي العراقي فالح الفياض، الذي كان واضحا جدا بدعوته لإخراج الأمريكيين من العراق، وبأنه لا يمكن القبول نهائياً بوجودهم، وهو ما يمكن اعتباره الترجمة غير الدبلوماسية لكلام السوداني.

ومعروف أن السوداني قريب في مواقفه السياسية والوطنية من الفياض والحشد الشعبي، وهو الذي جاء إلى رئاسة الحكومة بترشيح من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي رفض حينما كان في الحكم أي اتفاقية لبقاء الأمريكيين، وتم إخراجهم من هناك، حتى جاءت مرحلة داعش، التي كانت الجسر الذي عبره الأمريكيون للعودة إلى العراق، بصورة لا تختلف عن الاحتلال، حيث تم تشريع هذا الوجود، بالاتفاقية التي تمت خلال حكومة رئيس لوزراء السابق مصطفى الكاظمي.

وفي قراءة لهذه الأجواء وتوقعاتها، يمكن التأكيد أن الوضع في شمال سورية بشكل خاص، وفي سورية والعراق والمنطقة عموماً، يتراوح اليوم بين محاولات التوصل إلى توافق على ترتيبات محددة، تمنع العملية العسكرية المتوقعة في شمال شرق سورية، أو العمل الميداني والذهاب إلى خوض هذه المعركة.

وبدون انتظار نتائج هذه الحركة خلف الكواليس وأمامها، يمكن التأكيد أن ما تقدمه الإدارة الأمريكية لا يكفي لمنع العملية العسكرية، خاصة في ظل غياب أي مؤشر على توافقات في الصراعات الإقليمية والعالمية، ابتداء من الوضع المتصاعد في فلسطين المحتلة، إلى الاستعصاء في الملف النووي الإيراني، والحرب في أوكرانيا، إلى العلاقات الصينية الأمريكية.  

كما يمكن التأكيد أن ما تريده واشنطن من دمشق، وخاصة في تفسير القرار الأممي 2245 ومحاولة التدخل لوضع دستور طائفي لن يتحقق، لأنه يعني التضحية بكل ما قدته سورية على مدى 13 عاما من التصدي للمشروع الأمريكي الإسرائيلي الغربي، وهو ما يؤكد أن المنطقة ذاهبة إلى التصعيد، ما لم تقتنع الإدارة الأمريكية بجدية هذه العملية، وقرار إخراجها من سورية، وهي الظروف التي يبدو أنها غير متوفرة حالياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى