.

الفراغ “المُخجل” ومواكبة الخماسية للودريان

كتب وليد شقير في جريدة “نداء الوطن”

هل سيتمكن من سمّاهم بيان الدول الخمس بعد اجتماع ممثليها في الدوحة في 17 تموز، «معرقلو التقدم في مسار انتخاب رئيس الجمهورية»، من الالتفاف على التوجهات التي انتهى إليها ذلك الاجتماع، والتي سعى الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى ترجمتها في جولة اتصالاته الأخيرة في بيروت، مثلما نجحوا في تفريغ المبادرات التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون منذ 2020 من مضمونها؟

رغم مسحة التفاؤل إزاء الاقتراحات التي قدمها لودريان في لقاءاته مع ممثلي سائر الفرقاء والكتل النيابية، بأن تقود «طاولة العمل» التي سيدعو إليها في أيلول المقبل، ثمة حذر لدى بعض الأطراف حيال إمكان انتهاء مقاربته الجديدة للمخرج من المأزق اللبناني إلى النجاح، نظراً إلى السوابق.

لب اقتراح لودريان أن تنتهي المشاورات إلى عقد جلسات نيابية متتالية لانتخاب رئيس، بعد أن تفضي اللقاءات التي سيرعاها إلى تحديد مواصفاته والأولويات التي عليه التصدي لها. فهل هذا قابل للتحقيق بعدما دخل الفراغ شهره العاشر؟

ترك الموفد الرئاسي الفرنسي مهلة نيف وشهر للفرقاء أن يتهيأوا إلى «طاولة العمل»، بما يشبه فرصة للتفكير والتحضير، لعل بعضهم يختار تسهيل الأمور أو التوافق. وقد يكون اللجوء إلى الحوارات الثنائية التي تحدث عنها قادة «الثنائي الشيعي» إحدى وسائل عقد الاتفاقات، كالتي يحكى عنها بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر». وهي تتيح للفرقاء أن يهيئوا اقتراحاتهم للبرنامج المفترض للرئيس المقبل، الذي على أساسه سيسمي كلاً منهم مرشحه.

المهلة الفاصلة عن أيلول هي التي يمكن أن تجري خلالها اتصالات دولية ترفد صيغة التشاور التي ابتدعها لودريان، لإنجاحها. والأنظار تتجه في هذا المجال إلى اللقاءات القطرية- الإيرانية لإقناع طهران بممارسة تأثيرها على «حزب الله» كي يقبل بمرشح وسطي، أو ثالث، غير سليمان فرنجية الذي تعارض وصوله أكثرية القوى المسيحية وعدد من الكتل في الطوائف الأخرى، والذي باتت فرنسا تعتقد، ومعها دول أخرى، أن تجربة الأشهر الماضية أثبتت صعوبة انتخابه.

بات محسوماً أنّ لودريان يتمتّع بدعم الدول الأربع الأخرى في إطار الخماسية. المعطيات في هذا الصدد تفيد بأن سفراء الدول الأربع الأخرى، أميركا والسعودية ومصر وقطر، ستواكب تحركه بمزيد من الضغط على الفرقاء اللبنانيين كي يستعجلوا إنهاء الفراغ الرئاسي، في الطريق إلى مشاورات أيلول وبعدها.

لسان حال الدول التي تواكب مبادرة لودريان أن يكون الفرقاء اللبنانيون «أذكياء كفاية» ويتجاوبوا مع مبادرته. فإبلاغه جميع من التقاهم بأنها «الفرصة الأخيرة» وأنها ستنسحب إذا لم يحصل على التجاوب المطلوب، لم يكن عن عبث، لأنّ للدول المعنية انشغالاتها، ولن يرى الفرقاء اللبنانيون كل يوم فرصة كالفرصة التي يوفّرها تخصيص رئيس دولة مثل فرنسا موفدٍ شخصي لرئيسها هو وزير سابق للخارجية، وتكليفه بمتابعة المأزق اللبناني والمساعي لإنهاء الفراغ.

ومهما جرى إلصاق هذه الدول بأنّ لديها مرشح ما تفضله، ويُنسب إلى كل منها أنها تدعم هذا أو ذاك، وخصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا، فإنّ هذه الدول لن تحل مكان اللبنانيين في عملية الاقتراع في البرلمان لاختيار الرئيس. وهي تتعاطى مع مهمة لودريان على أنها للمساعدة في التوصل إلى قواسم مشتركة. وحين حاول بعض النواب الذين اجتمع بهم في قصر الصنوبر البحث معه في الأسماء، رفض رفضاً قاطعاً ذلك، تاركاً الأمر للفرقاء اللبنانيين.

دول الخماسية ترصد في الوقت نفسه تداعيات الفراغ الرئاسي على سائر المؤسسات. وهي تابعت كل على طريقتها مسألة اقتراب نهاية ولاية حاكم البنك المركزي رياض سلامة، ومخاطر الفراغ في هذا الموقع، الذي لم يكن ليحصل لولا استمرار الفراغ الرئاسي. بعضها يرى أنه «من المخجل» أن يكون نواب سلامة قد وُضعوا في الموقع الحرِج الذي باتوا فيه، لأنّه يتسبب بمزيد من اللاثقة بالوضع اللبناني. فنائب الحاكم الأول وسيم منصوري زار واشنطن من أجل استكشاف إمكانية تعاون البيوتات المالية الأميركية معه في حال تسلم صلاحيات سلامة، وتلقى وعداً بذلك رغم تفضيل الجانب الأميركي تعيين حاكم أصيل، لكن الظروف السياسية حالت دون ذلك.

مع ذلك فإن الدول المعنية تعتبر أنّ تلويح منصوري ونواب الحاكم الآخرين بالاستقالة هو السيناريو السيء، وهو خطوة تكتيكية وليست استراتيجية، مع تفهمّها الكامل لحاجتهم إلى التغطية السياسية والقانونية من أجل القيام بما عليهم. وهناك ترقب لما يمكن أن يحصلوا عليه مما طالبوا به من إجراءات تساعدهم على ممارسة مهامهم، على أمل انتخاب رئيس جديد وتعيين حاكم أصيل. وفي الانتظار يبقى السؤال: كيف التوفيق بين عدم اجتماع البرلمان للتصويت على ما يطالبون به، (بسبب الفراغ الرئاسي) وبين مطالبة نواب الحاكم بالتغطية القانونية لقراراتهم المرتقبة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى