.

بيان السفارة السعودية في لبنان: تصعيد أم ماذا؟

علي عبادي

دعوة السعودية رعاياها الى مغادرة الأراضي اللبنانية بسرعة تم تضخيمها من قبل وسائل إعلام عدة، لكنها كذلك ليست عرَضيّة أو بريئة في هذا التوقيت.

ويمكن القول إن تفسير البيان السعودي على أنه مؤشر على حدث أمني ما سيطرأ في الأفق المنظور لا يعدو أن يكون ضرباً بالرمل، لسببين:

– لو أن البيان يستند الى معلومات جدية عن حدث أمني تتوقعه الجهة التي أصدرته، لكُنّا سمعنا بياناً أميركياً من هذا القبيل على اعتبار أن الأميركيين أكثر إطلاعاً من السعوديين على الوضع الأمني في لبنان و”راداراتهم” أكثر إلتقاطاً للإشارات. وحتى تحذيرات السفارة الاميركية بين وقت وآخر لا يمكن قراءتها دائماً على أنها تنطوي على توقعات بحدوث تطور أمني. فبعضها يندرج في إطار تنبيه الرعايا الأميركيين من الإقتراب من مناطق تشهد بعض الأحداث، على سبيل الإحتراز.

– لو كان هناك خطر جدي مرتقب، لكان السعوديون تشاركوا معلوماتهم مع حلفائهم الخليجيين. وقد رأينا أن بيان السفارة الكويتية في لبنان الذي صدر بعد بيان السفارة السعودية كان مخفَّف اللهجة، واقتصر على تنبيه الرعايا الكويتيين في لبنان الى “التزام الحيطة والحذر والإبتعاد عن مواقع الإضطرابات الأمنية في بعض المناطق والتقيد بالتعليمات الصادرة عن السلطات المحلية المختصة”. ويمكن فهم حرص الكويت على ملاقاة السعودية في سياساتها وإجراءاتها بشكل عام، لكن الكويت  تدرك أيضاً أهمية عدم تكبير الحجر في بعض الحالات، في غياب أية معلومات يمكن الركون إليها.

لكن، من جهة أخرى، قد يحمل بيان السفارة السعودية الذي فاجأ الحكومة اللبنانية تذكيراً جديداً بأن للسعودية أدوات تأثير على لبنان، ومنها حرمانه من أية عائدات سياحية قد تترتب على وجود عدد كبير من السياح السعوديين في لبنان في هذا الفصل. كان يمكن للجانب السعودي أن يفعل مثلاً كما فعلت الكويت في الدعوة لالتزام الحيطة والحذر والإبتعاد عن مواقع الخطر (في حالة الواقع المستجدّ في مخيم عين الحلوة)، من دون الذهاب الى توجيه السعوديين لمغادرة لبنان على وجه السرعة.

أما لماذا تلجأ الرياض الى خيار “التذكير” التصعيدي، فهذا يحتاج الى ملاحظة التطورات السياسية في لبنان التي قد يرى الجانب السعودي أنها لا تتم وفق ما يشتهي، أو ملاحظة تصريحات ومقالات تناولت الدور السعودي هنا أو هناك. وسواء حصل في الآونة الأخيرة ما يزعج الجانب السعودي أم لا، من الضروري محاصرة التأثيرات الخارجية التي قد تضرّ بالمناخ الداخلي، وبالأوْلى عدم تضخيمها وإعطائها تأويلات وتفسيرات لا تخدم مسار العمل على إنجاز الإستحقاق الرئاسي وترتيب شؤون اللبنانيين في المرحلة الإنتقالية.

والحال أن بعض وسائل الإعلام اللبنانية تستمتع بممارسة هواية إثارة الهلع والتنبؤات الكارثية، حتى يلمع ذكرها عن طريق إضافة بعض “الأكشن” على الرتابة اليومية في هذا الصيف الحار، أو لتضيف هذه الأخبار الساخنة الى ثقافة جلد الذات أمام “الأشقاء العرب” إرضاءً لهم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى