.

تحيّة للموت ما ألطفه!

 

يبقى المرء مزعجا وقابلا للقيل وللقال ومحطّ تحليل للنوايا وثقيل الحضور والخطى الى ان يموت،سبحان الحيّ الباقي الذي لا يموت،فجأة تتحول صورته كمرحوم الى انسان جميل طيب الاخلاق والنوايا لتترحم عليه الناس ذاكرة محاسنه ومقدمة له صك براءة من تُهم لاحقوه فيها.
كيف يجمّل الموت مَن لا نجد جمالاً فيهم في حياتهم؟
مَن يُجري لهم عملية تجميل ليبدون في صورهم اجمل واظرف واكثر نقاوة .
هم الذين لم نزرهم في بيوتهم ولم نواعدهم في مقهى،نجد انفسنا نسير خلف نعشهم ،حزينين على فراقهم،نودعهم بصمت في آخر موعد غير متفق عليه.
حتى اشخاصا لا نعرفهم ولم نسمع بأسمائهم ،لمجرّد ان نرى صورهم كمرحومين ننظر اليهم بتحسّر وبتعاطف وبرحمة وبتأسف على رحيلهم وكأنّنا اصبحنا نعرفهم من لحظة معرفتنا بموتهم.
في الأمر سرّ نعرفه ولا نبوح به ،ربما لأننا نرى أنفسنا ميتين والناس تنظر الينا برأفة وربما بشفقة.
عند موتنا سيحضر حتى الذين لم يحبّونا يوماً ليسامحوا انفسهم للمرة الأخيرة لتيقنهم ان في الخلاف المنتهي بالسقوط بالضربة القاضية تفاهة.
ربما في الامر سرّ نعرفه ولا نبوح به، حتى الجلاد او الرئيس المعروف بقساوته نجد في موته ما يبرر له شراسته للمصلحة العامة حتى في صورة المجرم الميت للتو بعد اعدامه ننظر فيها ونسأل ما الذي دفعه للقتل ،حتما اضطرّ لذلك!
الموت يجمّل كل الوجوه رغم انها كانت قبيحة في حياتها.
كل حيّ يحكيك عن والديه كأنهما الوالدين المثاليين المفرطين بالمحبة وبالعاطفة وبالتضحية فأهل مَن اذن هؤلاء الاشرار في حياتنا.
في الامر سرّ لا نبوح به.
خوفنا من مصيرنا المحتوم يجعلنا نرى كل الموتى اخلاقيين وجميلين وطيبين المعشر كتهديد نهائي من الطبيعة لنا ان لا داعي لكل هذا الشرّ لنحيا بسهولة وببساطة.
يبقى المرء مزعجا وقابلا للقيل وللقال ومحطّ تحليل للنوايا وثقيل الحضور والخطى الى ان يموت،سبحان الحي الباقي الذي لا يموت لتتحوّل صورته فجأة كمرحوم الى انسان جميل طيب الاعراق والاخلاق والنسب لتترحم عليه الناس ذاكرةً محاسنه ومقدمة له صكّ براءة من تهمٍ لاحقوه بها.
حتى رجل الدين عند صلاة الميت يقول”لا نعرف عنه الا خيراً”ورجل الذين هذا نفسه يعرف عن المتوفي اخبارا لا تليق بحياته.
تحية للموت الذي يجعلنا اجمل واكثر انسانية و محطّ تعاطف وترحم بعد فوات الاوان.
الموت ساحر لطيف وجراح تجميل بارع.
تحت زيتونة محررة يفكر أين سيدفن جثته،اعتاد زرع الاخوة والرفاق الشرفاء في الارض لعلّها تنبت ورودا وأشجاراً مبتسمة.
د احمد عياش

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى