.

الجيش ينجو مجدداً من محاولات زجّه في الحوادث الأمنية ويحتوي الجميع حفاظاً على الاستقرار

كتبت دوللي بشعلاتي في جريدة “الديار”

لم يعد توتير الوضع الأمني في لبنان يُحتمل كونه يهدّد حياة المواطنين وسلامتهم في جميع المناطق اللبنانية. كما يؤثّر سلباً بشكل أو بآخر في موسم السياحة المزدهر هذا العام رغم انهيار الوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي في البلد. ويطرح توقيت حصول بعض الحوادث الأمنية تِباعاً من جريمة القرنة السوداء، الى حادثة عين إبل الأخيرة الى اشتباكات مخيم عين الحلوة وتأثيرها في صيدا ومغدوشة والقرى المجاورة، وصولاً الى حادثة كوع الكحّالة الشهير، وتعرّض وزير الدفاع موريس سليم أمس في الحازمية لرصاصة على سيارته تزامناً مع تشييع أحمد القصّاص الذي قضى في الكحالة، لم يجزم إذا ما كانت طائشة أو محاولة لاغتياله، يطرح تساؤلاً كبيراً حول أهداف زعزعة الأمن في لبنان في هذه المرحلة بالذات.. ويُنبىء بأنّ ثمّة أيادي حفيّة يهمّها ضرب الاستقرار الأمني الذي ينعم به لبنان رغم الشغور الرئاسي ووجود حكومة تصريف أعمال.

تقول مصادر سياسية مطّلعة انّ الحوادث الأمنية التي حصلت في الفترة الأخيرة، وآخرها حادثة انقلاب شاحنة الذخائر التابعة لحزب الله عند كوع الكحالة وحصول مواجهة بين الأشخاص المولجين حمايتها وبين شباب البلدة ووقوع قتيل من كلّ جهة، تطرح مجدّداً وبإلحاح مسألة السلاح المتفلّت المنتشر بين أيدي جميع المواطنين أولاً، وعدم محاسبة أي من المرتكبين ثانياً، ليس بسبب عدم كفاءة الأجهزة الأمنية على العكس تماماً، إنّما لاعتبارات سياسية وحزبية ومناطقية وسواها. وهذا ما يشجّع على استمرار التفلّت الأمني وعدم خشية أي أحد من ارتكاب الجرائم ضدّ الآخرين، وحتّى ضد أفراد عائلته إذ تكثر الحوادث عن قتل زوج لزوجته وسوى ذلك.

وترى أنّ بيانات السفارات الخليجية الأخيرة حول الطلب من مواطنيها مغادرة الأراضي اللبنانية بسرعة، والتقيّد بقرار منع سفرهم الى لبنان، لا سيما بعد توقّف اشتباكات مخيم عين الحلوة، تؤكّد أن توتير الوضع الأمني في لبنان مخطّط له من قبل جهات معيّنة، وتعلم به جهات أخرى. ويهدف بالدرجة الأولى الى زجّ الجيش بالاشتباكات أو المواجهات التي تحصل بين جهتين متنازعتين، وغالباً ما تكون كلّ منها من طائفة معيّنة.

غير أنّ الجيش اللبناني تمكّن حتى الآن، وفق المصادر نفسها، من احتواء كلّ هذه الحوادث الأمنية، كونه جيش وطني لا يُفرّق بين مواطن وآخر. كما أنّه استطاع، من خلال حكمة قائده ومسؤوليه وعناصره، وأد محاولة نقل الصراع في لبنان الى فتنة مسيحية- مسلمة، على غرار ما كانت عليه الأمور خلال الحرب اللبنانية. كما حيّد نفسه عن الوقوف الى جانب هذا الطرف أو ذاك، في حين أنّ البعض طالبه بكشف بعض الأمور والحقائق، لا سيما في حادثتي القرنة السوداء بين بشرّي وبقاعصفرين وكوع الكحالة الأخيرة. غير أنّ الجيش لم ينزلق الى مخطّط الفتنة، بل حافظ على السلم الأهلي رغم إمكاناته المتواضعة.

وبرأيها أنّ مَن يُشاهد المشهد من بعيد يرى بأمّ العين أنّ “الفتنة تغلي” في لبنان، لكن لا أحد يستطيع معرفة مَن يُحرّكها. وهذا الأمر يخدم كلّ المصطادين في الماء العكر والذي لا يريدون لا الخير ولا الإزدهار لهذا البلد. ولهذا تساءلت: من يُعطي الإيعاز بالقيام بحوادث خطيرة من هذا النوع في لبنان، باستثناء حادثة الكحالة التي حدثت بسبب سقوط الشاحنة عند كوع البلدة المنحدر، وبسبب حمولتها الزائدة، ولأي أهداف؟ علماً بأنّه لولا الإحتواءات العسكرية الفورية والتدخّلات السياسية المتواصلة لما كانت بقيت هذه الأحداث والجرائم بنت ساعتها، بل توسّعت الى خارج الإطار الجغرافي للمنطقة التي حدثت فيها.

فلا شيء مستحيل في لبنان لا سيما في ظلّ الشغور الرئاسي والانهيار الاقتصادي، على ما أضافت المصادر عينها، فشاحنة الكحّالة، ذكّرت الجميع بـ “بوسطة عين الرمّانة” التي كانت السبب المباشر لاندلاع الحرب اللبنانية في العام 1975، والتي كانت “حرب الآخرين على أرضنا”، قبل أن تتحوّل الى “حرب أهلية”. وهذا يعني بأنّ حادثة أمنية يُمكن أن تتوسّع وتؤدّي الى فتنة أو الى حرب، إذا ما كان الجميع جاهز لحمل السلاح ولمحاربة الطرف الآخر. لكنّ الظروف اليوم تغيّرت، وهموم المواطنين التي هي نفسها لدى الجميع تكفي للملمة الجراح وإلغاء فكرة شنّ الحرب بين أبناء الوطن الواحد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى