.

لماذا يجب أن لا يخشى لبنان تهديدات جِنرالات الاحتِلال بإعادته إلى العصر الحجريّ؟ 

عبد الباري عطوان – صحيفة رأي اليوم الالكترونية

يقف لبنان هذه الأيّام أمام خِيارين مُحتملين لا يُمكن فصلهما عن بعض:

الأوّل: إشعال فتيل الحرب الأهليّة الثانية وتهيئة المسرح لها، في ظِل تدفّقٍ غير مسبوقٍ للأسلحة على الأطراف المُتصارعة، ووجود ميليشيات جرى “تسمينها” وتأهيلها لهذا الدّور القديم المُتجدّد.

الثاني: تصاعُد التوقّعات بشنّ دولة الاحتِلال الإسرائيلي هُجومًا على لبنان، في مُحاولةٍ لتدمير قُدرات “حزب الله” العسكريّة المُتزايدة، وتكاثُر تحرّشات استفزازيّة مُحرجة من قِبَل مُقاتلين تابعين له بالقوّات الإسرائيليّة، ممّا أدّى إلى تآكُل شِبه كامل لمنظومة الرّدع لدى الاحتِلال.

إذا بدأنا بالخِيار الأوّل، أيّ الحرب الأهليّة، يُمكن أن نقول بأنّ تطوّرين مُهمّين وقَعا في السّاحة اللبنانيّة في الأيّام القليلة الماضية، ربّما يُرجّحان احتِمالات الحرب الأهليّة، الأوّل حادثة “كوع الكحالة” مساء الأربعاء، التي تمثّلت في انقلابِ شاحنة مُحمّلة بالذّخائر تابعة لحزب الله، (هُناك نظريّة تقول إن الانقلاب كان مُتعمّدًا ومِصيَدة) وقام مُسلّحون ينتمون إلى ميليشيات مسيحيّة مُعادية للمُقاومة، بالاعتِداء على فريق الحِماية المُسلّح للشّاحنة وسائقها، وإطلاق النّار عليهم ممّا أدّى إلى مقتل أحدهم، ولولا تدخّل قوّات الجيش اللبناني بسُرعةٍ، ومنْعها للمُهاجمين من الاستِيلاء على الشّاحنة لتوسّعت دائرة الصّدامات، وسقط الكثير من الضّحايا، أمّا الحادث الثاني فيتلخّص في انفجارِ القِتال في مُخيّم عين الحلوة الفِلسطيني في صيدا بجنوب لبنان، بين مُقاتلي حركة “فتح”، وجماعة “جُند الشّام” الإسلاميّة المُتشدّدة.

أمّا الاحتِمال الثاني، أيّ شن دولة الاحتِلال عُدوانًا على لبنان لاجتِثاث “حزب الله” وإنهاء خطره، فإنّ فُرصه ما زالت كبيرة، ومن يُتابع التّحريض الإعلامي الإسرائيلي المُكثّف هذه الأيّام لهذا العُدوان بسبب الخطر الوجودي الاستراتيجي الذي يُشكّله “حزب الله” على الحُلُم الصّهيوني الذي دخَل مرحلة لفظ الأنفاس الأخيرة، سواءً بسبب تعاظُم المُقاومة الفِلسطينيّة في قلب تل أبيب عاصمته، أو الانقِسامات الداخليّة، يُدرك جيّدًا ما نقصده، فالاحتِلال لا يستطيع العيش تحت التّهديد، رُغم أنه خسر جميع حُروبه الأخيرة مُنذ عُدوان حزيران 1967.

الجِنرال يواف غالانت وزير الحرب الإسرائيلي الذي لم يستطع تفكيك خيمة بناها رِجال “حزب الله” في شِمال مزارع شبعا المُحتلّة خوفًا من صواريخ حزب الله ومُسيّراته الدّقيقة، واقتِحام “كتائب الرّضوان” الخاصّة للحُدود وتحرير الجليل، جدّد تهديداته بإعادة لبنان إلى العصر الحجري.

هُناك عدّة نُقاط يُمكن أن نُشير إليها في إطار الرّد على تهديدات الاحتِلال “الفارِغة”، والنّتائج الكارثيّة التي يُمكن أن تترتّب على تنفيذها، وانعِكاساتها على من يُطلِق صاروخها الأوّل.

الأولى: أن لبنان يعيش حاليًّا في العصر الحجري فِعليًّا، فلا رئيس، ولا حُكومة، ولا ماء أو كهرباء أو مازوت، أو ليرة، أو الحدّ الأدنى من الرّعاية الصحيّة، فماذا يُمكن أن يخسر المُواطن اللّبناني في حالةِ نفّذ غالانت تهديداته وهو ما نَشُكّ فيه، ولا نستبعد أن معيشة أهل الكهف كانت أفضل بكثير من معيشة مُعظم الشّعب اللّبناني الآن.

الثانية: أنّ المائتيّ ألف صاروخ التي يملكها “حزب الله” وحده، ناهِيك عن مِئات الآلاف الأُخرى التي تزدحم فيها التّرسانة الإيرانيّة والتّرسانات الحليفة في سورية، والعِراق، واليمن، وغزّة، هذه الصّواريخ لن تُعيد إسرائيل إلى العصر الحجري فقط، وإنّما للعُصور التي قبله، وقد لا يكون هُناك وجود لشيء اسمه “إسرائيل” في حال إطلاقها بمُعدّل ستّة آلاف صاروخ يوميًّا، فهذه الصّواريخ ستضرب البُنى التحتيّة الأساسيّة مِثل الكهرباء والمياه، والمطارات والموانِئ، فهل يستطيع الإسرائيليّون العيش يومًا واحِدًا بُدون كهرباء؟ وبُدون مطارات للهُروب الأخير؟

الثالثة: جميع الحُروب والاجتِياحات الإسرائيليّة للبنان قبل حرب تمّوز (يوليو) عام 2006 كانت تُحسَم بسِلاح الجو، وسِلاح الدبّابات والدّروع، وعادةً ضد مُقاومة لا تملك إلّا السّلاح الفردي، أو جُيوش فاسدة مُتكرّشة، ومُعظمها غير لبنانيّة (فِلسطينيّة على وجْه الخُصوص) الآن تغيّرت الصّورة، والمُقاومة هذه المرّة لبنانيّة إسلاميّة صرفة، لها عُمُق وتحالفات مع قِوى إقليميّة عُظمى عربيّة وإيرانيّة هي الأولى من نوعها تقريبًا في تاريخ مِنطقة الشّرق الأوسط، أيّ أنها لن ترفع رايات الاستِسلام، وتركب البحر إلى تونس بوساطةِ فيليب حبيب المبعوث الأمريكي آخر، وبتواطؤٍ عربيّ.

لبنان على أبوابِ فتنةٍ تُريد إعادته 48 عامًا إلى الوراء، أيّ الحرب الأهليّة الأولى التي استمرّت 15 عامًا، وكانت بدايتها عُدوانًا على حافلةِ عين الرمانة، ويبدو أن البعض نفسه الذي أشعل فتيلها أراد من شاحنة “كوع الكحالة” أن تكون المُفجّر الجديد وتطبيقًا لمُخطّط أمريكي إسرائيلي عربي محبوكٌ بعنايةٍ، وإذا كان تجاوز الجولة الأولى من هذه الفتنة بشقّيها في عين الحلوة، والكحالة، تمّ بفضْل “حكمة” جِنرالات الجيش اللبناني وتدخلهم السريع، فان هذا لا يعني أن مُحاولات أخرى غير واردة في المُستقبل المنظور، فهذه حرب أمريكيّة إسرائيليّة مفتوحة لنزْع سِلاح المُقاومة الإسلاميّة في لبنان بقِيادة “حزب الله”.

أيّ خطأ قد ترتكبه أمريكا في لبنان، وما أكثر أخطائها، ستدفع ثمنه الباهِظ دولة الاحتِلال ومُستوطنيها.. والأيّام بيننا.
 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى