برحيل الأبّاتي الدكتور أنطوان ضو..غاب ضوء النبوءة في زمن الخراب، وانطفأ احد مصابيح الله في دروب التيه. تعزية ناجي علي أمّهز

برحيل الأبّاتي الدكتور أنطوان ضو… غاب ضوء النبوءة في زمن الخراب، وانطفأ احد مصابيح الله في دروب التيه.
تعزية ناجي علي أمّهز:

ببالغ الحزن المجبول بالدهشة، وبقلبٍ يئنّ كأنه فقد ضوءه الأخير
أتقدّم بأحرّ التعازي القلبية وأصدق مشاعر المواساة من:

بهذا المصاب الجلل، برحيل رجلٍ لم يكن ابن طائفة، بل ابن الإنسان، وصوت الله في زمن الضجيج والفتنة، أنعى إلى كل من عرف المعنى الحقيقي للإيمان والإنسان، رحيل الأباتي الاب الروحي، والمعلم الفكري، ورجل المحبة والمواقف، الأبّاتي الدكتور أنطوان ضو.،

كيف يُرثى مَن لا كلمات ترثيه لسمو مكانه وعظمة محبته وايمانه؟
كيف أنعى رجلاً كان يمشي كأن روحه تعلو على التراب؟
بأيّ لغةٍ أكتب الحزن، وقد جفّ القلم، وابيضّ الحبر وهو كظيمٌ من الفقد؟

برحيلك يا أبتِ، خسرنا ما لا يُعوَّض،
خسرنا الرجل الذي لم يُبع لله أرواحًا خائفة، بل حمل له قلوبًا مشتعلة بمحبة لا تعرف المساومة.
كنتَ وجهًا من وجوه الله على الأرض، كنتَ أيقونةً لا تُعلّق على جدار، بل تسكن في الضمائر.
كنتَ للكنيسة قلبًا، وللإسلام صديقًا، وللوطن نبيًّا بلا رسائل مكتوبة، لأن حضورك وحده كان الرسالة.

يا أبتي
يا أبانا النبيل… يا قامةً لم تنحنِ، وابتسامةً من زمن المسيح.
يا مَن كنتَ تحفظ آيات القرآن، وترتّل المزامير، وتقرأ الإنجيل لتسكُنَه قلوب من حولك.
من غيرك كان يقول للمسيحي: “احفظ أخاك المسلم،
ويقول للمسلم: “لا تخف من أخيك المسيحي”؟
من غيرك كان يرى في الدين نورًا لا خندقًا، ويفتح باب الحوار لا باب الفتنة؟

لقد كنتَ يا أبتِ، الطهارة في زمن الخيانة،
الحقّ في زمن الكذب،
الجرأة في زمن الأقنعة،
والتواضع في زمن الغرور الأجوف.
كنتَ تكره الطواويس أينما وُجدوا، لأنك ملاكٌ من علياء الفردوس.

كم هو ثقيل غيابك
فأنت لم تكن فقط أمينًا عامًا للحوار الإسلامي–المسيحي،
بل كنتَ أمينًا على الوجع اللبناني، وعلى أملنا الباقي بأننا قادرون أن نكون شعبًا واحدًا في حضن الله.
على الجراح المفتوحة منذ قرون،
كنتَ طيّبًا وطبيبًا، كأنك أتيتَ من زمن يسوع، لتشفي الأمراض النفسية التي حرّفت الأديان وقتلت الإنسان، بل قتلت أجمل ما في الإنسان: المحبّة.

أنت آخر الأنبياء الصامتين الذين يعملون لرقيّ الإنسان، ليصبح شبيه صورة الله.
نم قرير العين، أيها القدّيس الذي لم يطلب رتبة،
أيها النقيّ الكريم في زمن البخل،
أيها الحرّ في زمن العبيد،
أيها الإنسان في زمن الوحوش.

أبكيك كما تبكي السماء مطرها الأول،
وأحتضن غيابك كما تحتضن الأرض أجسادنا، لأي دينٍ انتمينا، لأنها والدتنا الحقيقية، من التراب وإليه نعود.
أفتقدك كما افتقد الرسلُ المعلمَ الأول.
وأكتبك كما تُكتب الرسالات الخالدة،
كما تُكتب صلاةٌ لن تُقرأ إلا في قلوب من عرفوك،
وسأشتاق إليك كما تشتاق العين إلى بصرها، والفؤاد إلى نبضه، والروح إلى طمأنينتها، لترجع إلى ربها راضية مرضيّة

برحيل الأبّاتي أنطوان ضو… خسرنا صوتًا ونورًا لا يتكرّر في عتمة هذا الشرق.

نم يا صاحب النور،
فقد كنتَ على هذه الأرض ضوءًا لا يُطفأ،
وستبقى فينا ما دام فينا مَن يقول:
لا زال في هذا العالم مَن يشبه أنطوان ضو.”

ناجي علي أمّهز

Exit mobile version