صديقي القاري منذ اختراع جهاز الراديو (المسموع) والتلفاز(المرئي) ولغايةمنتصف السبعينات تقريبا كان التحكم بحواس السمع والبصر امتدادا لثقافة الديكتاتورية الفنية إذ لم يكن للناس خيار الا وان يستمعوا وان يشاهدوا لما تقرره ادارة الإذاعة والتلفزيون وبما ان الأقنية كانت محددة بقناتي 7 و11 فإمكانية المقارنة لأي صوت واي أغنية واي فيلم وأية دراما لدى الجمهور كانت ضعيفة .
بالتأكيد كان هناك صوتا لإمرأة و لرجل أجمل من صوت ام.كلثوم في مصر وصوتا أجمل من صوت عبدالحليم حافظ وفيروز ونصري شمس الدين و وديع الصافي وناظم غزالي وصباح فخري الا ان احدا لم ينتبه له و احدا لم يبحث عنه واحدا لم يقدمه على المسرح او للإذاعة او لتلفزيون .
كان الفن شبه احتكار.
ليس كل من كتب في جرائد ومجلات وكتيبات النهار والسفير والانوار والشبكة والحوادث والكفاح العربي والمستقبل وطبيبك و الهلال والعربي كان أفضل قلم واكثر ثقافة بل كتب من حظي برعاية رئاسة التحرير وصاحب المجلة.
الثقافة والاعلام كانت شبه احتكار من الأقوياء.
قالوا ان صوت ام.كلثوم لن يتكرر في الامة فهل سمع النقاد أصوات كل النساء الناطقين باللغة العربية، قالوا ان صوت فيروز ملائكي علما لم يسمع احد صوت ملاك واحد منذ بدء الوجود وحتى الكتب السماوية نفسها لم تتحدث عن روعة أصوات الملائكة.
كان أبو ملحم وأم ملحم وابو سليم الطبل وفرقته وغوار الطوشة وحسني البرزان وشوشو وغيرهم فنّ الزامي وجبري إذ ربما كانوا محظوظين في الظهور في الشاشات اليتيمة ولم يكن لدى الجمهور خيارات أخرى في فصل الشتاء عند هطول المطر مساء .
بالتأكيد كان هناك أفضل إنما لم تسنح لهم الفرصة ولم يحالفهم الحظ بالتعرف على من هو قادر ان يقدّمهم للجمهور كما يجب.
كامل الاحترام والتقدير لرموز الاجيال السابقة كافة.
مؤسف مقارنة أصوات الجيل الحالي بأصوات من رحلوا لأن من رحلوا طبعوا الذاكرة الزامياً بينما الأصوات اليوم في منافسة رهيبة لوفرة الاقنية المرئية والاذاعات مع كامل احترامنا لروعة أصوات و وجوه واداء من رحلوا.
ميل الناس لتقديس الأصوات والوجوه الفنية امتداد لميول الناس لتقديس كل ما طبع الذاكرة وصار قديما .
اعتبار السياسي العتيق المرحوم مرشدا لعناصر الحزب الحالي الأحياء مبالغ فيه لأن من رحل ولو عاد لا يقدر على استخدام اية تقنية لا في الفن وفي التمثيل ولا في السياسة.
ولا حتى في فهم العقائد ولا حتى في شرح الدين.
تقديس الأصوات والوجوه القديمة ليصبحوا فوق النقد وكأن الرب خلقهم وكسر قالب الحنجرة والوجوه امر مرضيّ.
يعجبني صوت فضل شاكر المطارد من العدالة اكثر من صوتي نصري شمس و وديع الصافي ويعجبني صوت سيلين ديون وميرا ماتيو اكثر من صوت فيروز فهل اكون قد كفرت.؟
تقديس الشوفينيين لقديمهم و رفضهم للنقد وإصرارهم على المقارنة امر سيء ومسيء للأجيال الصاعدة.
بعض الشوفينيين يغضبون ان أخبرتهم ان موسيقى بليغ حمدي ورياض السنباطي سيمفونيات أجمل واهم بكثير من موسيقى الرحابنة.
مزعج ان يصبح للغناء والتمثيل نبيّه و رسولته وللثقافة دينها.
ميل الناس للتقديس ليس غير محاولة شرسة لحماية الذاكرة القديمة مما يطرأ من إضافة على ذاكرة حديثة .
يوجد تصلب شرايين مع العمر في الدماغ ويوجد ايضا تصلّب ذكريات في الذاكرة القديمة.
لا صوت ولا وجه ولا حتى موسيقى ولا مسلسل ولا فيلم مقدس .
ولا حتى ثقافة مقدسة.
دعوا الجيل الجديد يثبت نفسه بلا حاجة للمقارنة وبلا تحديد ضوابط فنية له بأسماء حالفها الحظ اكثر من غيرها بالرغم من جدارتها ونجاحها.
الوقت الحالي سيصبح زمنا جميلا بدوره بعد ثلاثين سنة.
ارحموا الجيل الحاضر يرحمكم من في السماء .
#د_احمد_عياش.
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي موقع سانا نيوز شكرًا على المتابعة .
.