لم تخفِ إسرائيل نيتها بالتصعيد العسكري لفرض استسلام على لبنان في المفاوضات السياسية. فإلى العمليات المكثّفة لمحاولة إحراز تقدّم في الخطوط البرية من الساحل الغربي حتى الخيام، استخدم العدو القصف العنيف في صور والنبطية والبقاع والقصف المركّز الذي طاول كل أحياء الضاحية الجنوبية، لتعزيز موقفه التفاوضي، خصوصاً مع تعزّز الحديث عن «جولة أولى من المفاوضات الجدية» ستُجرى هذا الأسبوع، مع وصول الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتين إلى بيروت عبر باريس، قبل أن يتوجه إلى تل أبيب الأربعاء المقبل حاملاً حصيلة اجتماعاته في لبنان.ونقلت وسائل إعلام العدو عن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يسرائيل كاتس ورئيس الأركان هرتسي هاليفي تصريحات حول تصعيد العمليات العسكرية «حتى يقبل لبنان بالاقتراح الذي أرسله الأميركيون إلى بيروت».
وقال هوكشتين أمام صحافيين في البيت الأبيض الأسبوع الماضي إنه لن يزور المنطقة «قبل نضوج الاتفاق»، فيما سلّمت السفيرة الأميركية ليزا جونسون الرئيس نبيه بري مسوّدة الاتفاق التي كانت محل نقاش وتشاور في اليومين الماضيين بين بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقيادة حزب الله، وسط «سرية تامة تحيط بالمفاوضات والملاحظات التي وضعها لبنان والرسائل التي تُرسل عبر الأميركيين». وأوحى محيط رئيس المجلس أمس بوجود «حركة جدية في الساعات الأخيرة»، وهو ما أكّده بري نفسه أمام زواره أمس، مشيراً إلى أن «الجو إيجابي أكثر من اليومين الماضيين»، وإلى «جدية أميركية مختلفة عن الأشهر السابقة». وأضاف: «أبلغنا الأميركيون أن إسرائيل تريد وقف الحرب، ومسار التفاوض يتقدّم رغم وجود نقاط لم يُتفق عليها بعد». والموقف نفسه نقله أيضاً متصلون برئيس الحكومة الذي «يفضّل عدم التورط في بث أجواء إيجابية قبل زيارة الموفد الأميركي هوكشتين» خشية تكرار ما حصل عقب الزيارة الأخيرة لهوكشتين إلى تل أبيب.
مع ذلك، بقي الحذر حاضراً في تقديرات الأوساط المعنية التي تخوّفت من «وجود ملحقات سرية بين أميركا وإسرائيل تتضمن بنوداً بشأن حرية الحركة واستباحة لبنان. وإذا صحّ ذلك، فإن الاتفاق مع لبنان لا معنى له»، علماً أن بري كان أوضح أنه سأل جونسون حول الأمر فنفت نفياً قاطعاً وجود أي اتفاق جانبي.
«الغموض الإيجابي»
وبناءً على توافق واضح بين الأطراف اللبنانية المعنية بالمفاوضات، تمّ اعتماد استراتيجية «الغموض الإيجابي» حيال التعامل مع المقترح الأميركي. وتوقّعت مصادر مطّلعة أن يكون لبنان قد صاغ موقفه على طبقتين، واحدة من خلال رسالة شفهية أبدت تجاوباً مبدئياً مع المسعى الأميركي، فيما تُركت الطبقة الثانية للمفاوضات المباشرة لدى وصول هوكشتين إلى بيروت. وتتضمن هذه الطبقة أسئلة لبنانية حول كثير من العناصر التي وردت في المسوّدة، يجب على الولايات المتحدة الإجابة عنها، أو الحصول على أجوبة إسرائيلية حولها، وهي ترتبط بثوابت الموقف اللبناني، سواء الذي يمثّله الرئيسان بري وميقاتي أو الذي يتعلق بالمقاومة.
وعلمت «الأخبار» أن الأسئلة تنطلق أولاً وأخيراً من الحاجة إلى تفاصيل عمل اللجنة المقترحة للإشراف على تنفيذ القرار 1701، إذ يعتبر لبنان أن هناك آلية موجودة تتمثل باللجنة الثلاثية التي تضم لبنان وإسرائيل برئاسة قوات الأمم المتحدة. ورغم عدم ممانعة لبنان انضمام أطراف جديدة إلى اللجنة، إلا أنه لا يرحب بأن تضم ممثلين عن أطراف مثل بريطانيا وألمانيا، على أن يقتصر الأمر على الولايات المتحدة وفرنسا، وهو ما لا ترحّب به إسرائيل.
لبنان يرفض لجنة تتولّى تنفيذ طلبات إسرائيلية وتقود إلى فتنة داخلية وتضرب الاستقرار
كذلك يريد لبنان تعريفاً دقيقاً لمهمة اللجنة، إذ ان الآلية الحالية تعمل على تسجيل الخروقات من الجانبين، وتتدارس في ما بينها في طريقة تجنّبها أو معالجتها. وبما أن الجانب الأميركي يقول إن هذه الآلية لم تكن ناجعة في منع إسرائيل وحزب الله من خرق القرار، فإن المقترح يفتح الباب أمام مهام جديدة للجنة، من شأنها نسف جوهر القرار 1701، سيما أن لبنان مصرّ على أن الجيش اللبناني هو الجهة الوحيدة التي تتولى العمل على الأرض، وأن القوات الدولية وُجدت لمساعدة الجيش على بسط سلطته لا للحلول محله. وبالتالي، تتركز الهواجس اللبنانية حول ما إذا كان المقترح يريد منح اللجنة صلاحيات إدارة عمليات المراقبة، وحتى اختيار أدواتها التنفيذية.
وقالت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الأخبار» إن رفض لبنان المسّ بسيادته لا يعني فقط عدم موافقته على منح العدو أي حق بالتدخل في تنفيذ القرار، بل يهدف أيضاً إلى الحؤول دون خيارات تقود إلى مواجهات بين القوات الدولية والجيش من جهة، وبين أبناء الجنوب من جهة أخرى، وهو لا يريد مقايضة وقف إطلاق النار مع العدو باحتمال خسارة استقراره الداخلي. وهذا بالتحديد ما يجب توضيحه، والتثبّت من الإجراءات العملانية لجهة الإشراف والمراقبة وحرية الحركة، خصوصاً أن إسرائيل تريد ذلك من جانب واحد، أي أن تأخذ اللجنة الجديدة بطلباتها التي ستكون مرفقة ببيانات وخرائط تقدّمها قوات الاحتلال، وهو أمر يرفضه لبنان بالمطلق. كما يرفض إطلاق العنان للقوات الدولية للمداهمة والتفتيش بناءً على ادّعاءات إسرائيلية.
ومن نقاط التحفظ اللبنانية التي ترد على شكل أسئلة هي ما يتصل بالداتا التي تعمل عليها القوات الدولية أو اللجنة نفسها، إذ يرفض لبنان مشاركة العدو في الداتا التي تخص الأراضي اللبنانية، وإشراك إسرائيل في النتائج العملانية للقوات الدولية والجيش اللبناني، علماً أن الأميركيين يتحدثون منذ الآن عن نيتهم دعم المقترح البريطاني بإقامة أبراج مراقبة على طول الحدود مع لبنان، على أن تكون وجهة الكاميرات إلى الأراضي اللبنانية.
إسرائيل: تضارب في المواقف
وكانت «القناة 12» الإسرائيلية أشارت إلى أن «الجيش الإسرائيلي قرّر عدم الدخول في حرب استنزاف تستمرُّ أشهراً في لبنان»، وأضافت: «لذلك، وبينما كانت المفاوضات بوساطة أميركية جارية، تحوّل الجيش الإسرائيلي إلى سياسة الهجوم على موجات مدتها ساعتان. بمعنى آخر، فإنّ كل ساعتين ستشنّ طائرات سلاح الجو هجمات في لبنان». وأوضحت أن تل أبيب تنتظر ردّ بيروت على المقترح الأميركي بشأن الخطوط العريضة لوقف إطلاق النار، مشيرة إلى «أن بين العناوين العريضة للمقترح بنداً ينص على أنَّ الجيش اللبناني سيكون الجهة الشرعية الوحيدة التي يمكنها العمل في لبنان، وسيتلقى المساعدة للسيطرة على المعابر الحدوديّة»، كما «تم اقتراح زيادة قوات اليونيفل ومغادرة قوات الجيش الإسرائيلي المناطق التي تعمل فيها في جنوب لبنان، وتشكيل لجنة للإشراف على آليات تنفيذ القرار الأممي». وقالت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر سياسية إنه «من المتوقع حصول تقدم كبير بشأن محادثات وقف إطلاق النار في لبنان الأسبوع المقبل».