عام 2022 كتبت مقالاً بعنوان: روسيا ستغرق، العالم العربي سيقسم، أوروبا ستخسر 40 بالمائة من شعبها، لبنان وفلسطين خارج القصف النووي.
عام 2016 ضغط الحزب الديمقراطي الأمريكي برئاسة أوباما على الحكومة البريطانية لرفع الدعم عن حكومة أردوغان في تركيا، وبعد فشل محادثاته مع كاميرون، توجه الحزب الديمقراطي بصورة منفردة إلى قلب الحكم في تركيا لمنع التمدد الإسلامي في منطقة الشرق الأوسط.
لكن الانقلاب على أردوغان فشل بسبب التعاون بين روسيا والحزب الجمهوري، بإيعاز من اللوبي الصهيوني.
“مركز الدراسات واشنطن” قال أحد أعضاء حزب بوتين “شمسيل سارالييف” (روسيا الموحدة): إن الولايات المتحدة تقف وراء الانقلاب في تركيا – فوفقاً لوجهة نظره، إن التحسن الأخير في العلاقات الروسية التركية وتجدد تدفق السياح الروس إلى تركيا لم يكن مريحاً للولايات المتحدة.
لم يكن بوتين يخشى فقط سقوط أردوغان، لكنه كان يتجنب الدخول في حرب مباشرة مع تركيا، وهو يعلم أنه في تلك اللحظة ستسارع واشنطن لاحتضان أردوغان بحال قرر منع روسيا من الاستقرار عند المياه الدافئة على ساحل المتوسط. كما أن إسقاط الجيش التركي الطائرة الروسية “سوخوي 24” ٢٠١٥ التي اقتربت من الأجواء التركية خلق هاجساً من الرعب لدى بوتين عما تختزنه تركيا من أسلحة، واعتبر أن أردوغان، الذي هو على عداء مع الحزب الديمقراطي الأمريكي، أفضل بكثير لروسيا من حكومة تركية علمانية ستكون على وفاق تام مع كامل الإدارة الأمريكية.
عام 2016 سقط الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وفاز دونالد ترامب، الذي اعتبر فوزه فوز لروسيا التي يقال إنها ساهمت بتزوير الانتخابات لصالح ترامب.
مع وصول ترامب شعرت روسيا أنها لديها كامل الحرية لتفعل ما تشاء في سوريا، خاصة بعد فشل الديمقراطيين في الانقلاب على أردوغان والوصول إلى البيت الأبيض.
التصعيد الروسي في سوريا
عام 2017 اعتقد الروس أن الحرب في سوريا انتهت؛ صديقهم ترامب في رأس السلطة الأمريكية، وحليفهم أردوغان يشعر بالامتنان لروسيا، وأنه آن الأوان لقطف حصاد مشاركتهم في الحرب في سوريا من خلال إعادة الإعمار، الذي كان متوقعاً أن يدر على روسيا ما يقارب الألف مليار دولار.
لكن الروس تفاجأوا عندما سمعوا من أمريكا والعرب أنهم لن يدفعوا قرشاً واحداً لإعمار سوريا قبل مغادرة حزب الله وإيران لسوريا.
وهنا وجدت روسيا نفسها مضطرة إلى التأقلم مع وجودها على حدود المياه الدافئة في المتوسط، وهو حلم يراود روسيا منذ مائة عام. وكي تستقر روسيا وتثبت أقدامها وتقطف ثمار مشاركتها في الحرب على الإرهاب، لم يكن أمامها إلا خيار واحد: السيطرة الكاملة على سوريا. وكي تسيطر روسيا على سوريا، لم يكن هناك خيار ثانٍ؛ إذ كان عليها إخراج إيران وحزب الله من سوريا، وعزل الأسد عن قرار الحرب والسلم في سوريا.
التوجه الروسي لعزل الأسد
عام 2017 قررت روسيا عزل بشار الأسد حتى عن بعض خطوطه القديمة مع الأمريكيين، وذلك من خلال توقيع استئجار القاعدة البحرية في طرطوس. وللأسف لم يكن الأسد يدرك ثمن توقيع هذه الاتفاقية. مع العلم أن حافظ الأسد عُرضت عليه الكثير من المغريات لإنشاء موطئ قدم للاتحاد السوفياتي في سوريا، لكنه رفض تحت مقولة: بيني وبين الاتحاد السوفياتي، وبيني وبين إيران تقاطع مصالح. بل كان حافظ الأسد يحافظ على توازن في العلاقة مع الأمريكيين من خلال التلويح بهذه الورقة، التي حصل عليها بوتين بالمجان من بشار الأسد.
مع بداية عام 2017 بدأ الإعلام ومراكز الدراسات الأمريكية تتحدث عن صراع بين إيران وروسيا للسيطرة على الجيش العربي السوري.
بسبب حاجة سوريا إلى روسيا خاصة في الأمم المتحدة والمواقف الدولية، كذلك حاجتها إلى إيران لتثبيت سيطرتها على الأراضي السورية، تراجع القرار المركزي السوري أمام الصراع الروسي الإيراني للسيطرة على الجيش السوري.
الجيش السوري وانقسامه
وقد نجحت روسيا خلال وقت قصير، من خلال ممارسة الحزم والشدة مع كل عسكري سوري، وأيضاً عبر منح المكافآت، في السيطرة بسرعة كبيرة على مفاصل الجيش الأساسية التي هي بحاجة إليها خاصة في المكاتب، بينما بقيت إيران ومن معها من العسكر تنتشر على الأرض.
وهكذا أصبح في سوريا ثلاثة أنواع من الجيش:
الجيش الإداري: وتسيطر عليه الحكومة الروسية، ومهمة هذا الجيش هي جمع كل المعلومات وإرسالها إلى الإدارة الروسية.
الجيش المقاتل: وتسيطر عليه الجمهورية الإسلامية في إيران، ومهمته الدفاع عن سوريا، والعمل على تسهيل عمل المقاومة لتحرير الجولان.
جيش بشار الأسد: وكان يتمثل بالفرقة الرابعة التي هي بقيادة شقيقه ماهر الأسد.
بعد أن حصل كل فريق في سوريا على حصته من الجيش، بدأ الصراع الناعم على سوريا بين روسيا وإيران يتحول إلى صراع دموي، من خلال الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل ضد التواجد الإيراني وحزب الله في سوريا.
تكثيف العمليات الإسرائيلية
ما بين عامي 2017 – 2018 كتبت الصحف أنه لم يعد بالإمكان إحصاء العمليات العسكرية الحربية التي تقوم بها إسرائيل في سوريا.
بالرغم من أن الجميع يعرف أن المعتدي على حزب الله والتواجد الإيراني في سوريا هو الإسرائيلي، إلا أن الروس، بالإضافة إلى الإعلام العالمي، لم يشيروا إلى إسرائيل، بل بقي كل شيء على أنه أحد الحروب السرية النظيفة.
حتى الإعلام الإسرائيلي تحدث عن مثل هذه العمليات قائلاً مثل هذه العمليات عادة تكون خارج تغطية وسائل الإعلام الإسرائيلية.
2018 وبدا الصراع الروسي الايراني يظهر الى السطح وياخذ اشكالا مختلفة تؤثر على حكم بشار الاسد في سوريا الذي انحاز بداية الى الجانب الايراني، ليتفاجا الجميع بهجوم اسرائيلي بالصواريخ على سوريا.
حاول بشار الاسد الاتصال بالرئيس بوتين من اجل منع توسع رقعة الاعتداء الاسرائيلي، الا ان الروس ابلغوا الجانب السوري انه يتعذر تحقيق مكالمة مباشرة للرئيس الأسد مع الرئيس فلاديمير بوتين في هذا الوقت.
وفهم بشار الاسد ان عليه الاختيار اما ايران واما روسيا،
في الشهر الخامس التقى بشار الاسد بوتين يومها كتبت في 18 – 5 – 2018 مقال حمل عنوان: “بوتين قال للاسد يجب خروج إيران وحزب الله عسكريا من سوريا”
رغم نفي المقال من جهات رسمية سورية وروسية وحتى ايرانية وفي اعلام محور المقاومة الا انه في 19 – 10 – 2018 أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن مسألة خروج إيران وميليشياتها من سوريا ليست مشكلة روسيا، وعلى دمشق وطهران الاتفاق حول المسألة وحلها.
ومنذ مطلع عام 2019 تقلص الوجود والنفوذ الايراني، واصبح حزب الله دوره فقط تامينوخطوط الدعم اللوجيستي له، واصبح الجيش السوري يدار من قبل الادارة الروسية.
المرحلة الأخيرة
عام 2024 سقطت سوريا وهذا السقوط كان مكتوب له ان يحصل عام 2020 لو فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكن فوز بايدن اخر عملية اسقاط الاسد، كما ان الايرانيين لم يقدموا اي شيء يساعد الحزب الديمقراطي.
في عام 2020 كتبت مقال حمل عنوان:”ايران خسرت الحزب الديمقراطي الأميركي والآتي كارثي”
شرحت فيه ان هزيمة الحزب الديمقراطي في الانتخابات والسياسة الامريكية سيؤدي الى خروج الحزب الديمقراطي من المشهد السياسي الأميركي لأعوام طويلة، مما يعني بأن الجمهوريين مستمرين بالحكم أقله حتى عام 2032 ،وهي سنوات ستكون كارثية على المنطقة وتحديداً على المحور الإيراني وحلفائه.
الخلاصة: بشار الأسد لم يكن على اطلاع بما يجري في الداخل السوري إلا ما يصله، ولم يكن يملك أي آلية لمعالجة أي مشكلة كانت تحدث في سوريا.
لذلك عندما توجه بشار الأسد في 28 نوفمبر 2024 إلى روسيا، كان من أجل معرفة ما يجري وما يجب فعله. ولا أعتقد أن بشار الأسد عاد من روسيا إلى سوريا بمفرده كما ذهب، بل أعتقد أن الحكومة الروسية أرسلت معه وفداً رافقه أثناء عودته لحمل ما يريده من مستندات تتعلق بحساباته المالية، ومنعته حتى من القاء بيان التنازل او مهاتفة شقيقه ماهر الأسد، الذي يُقال إنه فر إلى جهة مجهولة.
كما تصريح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن الأسد أبدى «انزعاجه واستغرابه» من الجيش السوري.
يشير بما جاء في التحليل ان الاسد لم يكن على علم او لديه السلطة على القيادات العسكرية التي نصبتها روسيا في مناصب محددة لمثل هكذا لحظة تاريخية.
اما قصف الاماكن المحددة من قبل اسرائيل فانها حتما ضمن هذا السيناريو كي تفقد سوريا قدرتها على بناء جيشها مرة ثانية، مما يعني ان روسيا خسرت في الشرق الاوسط اخر حلفائها وهو ما يؤكد بان روسيا لن تستطيع ان تصمد كثيرا رغم التطمينات الامريكية التي سوقها ترامب، بل روسيا ستغرق وتذوب الى ان تختفي تماما عن الخارطة الدولية.
واذكركم بعنوان المقال عام 2022 “روسيا ستغرق، العالم العربي سيقسم، أوروبا ستخسر 40 بالمائة من شعبها، لبنان وفلسطين، خارج القصف النووي”
وما يحصل اليوم يؤكد صوابية المقال الذي كتب عام ٢٠٢٢
الخاتمة
مع رحيل الأسد، فإن سوريا تستحق غداً أفضل، خاصة أن سوريا كانت رائدة الحراك الديمقراطي في العالم العربي قبل وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963.
وكما كانت الجملة الاشهر في سوريا تصبحون على انقلاب حيث كان كل اسبوع يحصل انقلاب فب سوريا فان هذه الجملة ستعود.
كما أنه يجب على الجميع احترام خيارات الشعب السوري وعدم التدخل لا من قريب ولا من بعيد في شؤونه الداخلية.
ويجب على الحكومة السورية الجديدة ان تطبق دولة القانون والعدل وان يشارم جميع أبناء سوريا في الحكم، والا فإن مصير سوريا سيكون حتماً التقسيم، وسيكون ذلك بوابة تقسيم العالم العربي بأسره.
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي موقع سانا نيوز شكرًا على المتابعة .