في زمن عاشوراء، تختلط بعض المفاهيم لدى البعض ممن يجهلون حقيقة جوهر مسيرة الامام الحسين، فيظنون انها فقط نهاية حزينة لمسيرة مكللة بالشجاعة، من دون ان يدركوا ان جوهر هذه الذكرى يكمن في العكس تماماً، فهي ثورة عظيمة في التاريخ، عابرة لكلِّ الأديان والطّوائف والشّعوب والأعراق، عابرة لكلِّ الأزمان والأماكن.
قيم عاشوراء لا تَنحصر بِالمسلمين فقط ولا بِالشّيعة بِالأخصّ، ولذلك، فوجودي بينكم ليس غريباً، انا الذي تربّيت على الإنجيل الذي يقول: “ليس لأحدٍ حبٌ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبائه”… فالتربية المسيحية ليست بعيدة عن الإسلامية بقيمها السامية والأخلاقية وبجوهرها القائم على العدالة والحرية والحق!
وعليه، مشاركتنا اليوم معكم في احياء مراسم عاشوراء طبيعية جداً في سياق القيم التي نتشاركها والمبادئ التي تجمعنا… وانطلاقاً من هذا الامر، اسمحوا لي ان اقول: ان اكتفينا باحياء الذكرى فقط، فكلنا نظلم هذه الثورة العظيم، بل المطلوب ان نستكمل المسيرة خصوصاً اننا اليوم في مجتمعنا احوج ما يكون إلى الأخلاق الحسينيّة التّي جسّدت أسمى معاني النّضال والأخلاق والكرامة والشجاعة والثّبات على المبادئ من أجل التّمرُّد على الفساد والظّلم وتحقيق الإصلاح والعدل والعدالة.
ما أحوَجنا إلى ثورة أخلاقية لا دموية، إصلاحية لا تخريبية ونضالية لا تدميرية… فإنَّ أخطرَ ما يُمكن أن يصيب شعب ما، هو القضاء على روحِهِ النّضاليّةِ، والقبول بِالرُّضوخِ والاستسلامِ، فيَفقِد هويته وكيانه ومقوّماته..
وبالتالي، من وحي هذه الايام التي نعيش، ومن صلب رسالة الامام الحسين، لا يمكن لكل ضمير حي الا ان يردد: لا تقبلوا بِالفسادِ الذي يُفرَض عليكم ولا تقبلوا بِحُكم الظّالمِ لِمجرّدِ البقاءِ على قيدِ الحياةِ، بَل كافِحوا لِرسمِ حياة تليقُ بِكرامتِكم وعنفوانكم… فنحنُ بِحاجة لِروحِ التّمرد على الحُكم الفاسِدِ والوعي لِلواقِع السّياسي لو مهما كلفنا الأمر.
كيف تكون هذه الثورة؟ بالمنطق والعقل… فقد اعتمد الحسين على قوة المنطق واعتمد أعداؤه على منطقِ القوّةِ… واليوم، بعد أكثر من ألف سنة نرى أنَّ قوة الأعداء سقطَت وانتصرَت قوة المنطق وكان هذا الانتصار أبدياً.
فماذا ننتظر جميعاً لاستكمال هذه الثورة في بلدنا، لينهض مجتمعنا وبلدنا من جديد؟ الا يكفينا ما يصيبنا من فساد هدم المجتمع وشرده وفكك اسرنا وهجر ابناءنا وفتك بمؤسسات دولتنا فانهارت!
قال غاندي: “إذا أرادت الهند أن تنتصر فعليها أن تقتدي بالحسين، فقد علّمني الحسين كيف أكون مظلوماً، فانتصر”… وهذا الامر نفسه ينطبق على كل الشعوب، من لبنان الى العالم العربي والعالم اجمع، فلا يكفي ان نكون مستمعين لمسيرة الحسين منذ اكثر من الف سنة، وجريمة ان نترك هذه الثورة الاخلاقية اسيرة للماضي وللتاريخ، بل وفاء لهذا النهج، من الواجب ان يكون الجميع ثائراً على نفس مبادئ الحسين الاصلاحية، فنعيد الامل بالمستقبل بدل ان نقف في الحاضر نبكي على اطلال الماضي!!