الموت يطرق باب المنتحر ثلاث مرّات …

 

عندما سأل الملاك “انكر” صاحبنا المنتحر اثناء حساب القبر عن السبب الذي دعاه ان يدمّر نفسه اراديا وفق توقيته الذاتي لا بأمر من الربّ و وفق حساباته الزمنية ، لم يتلعثم ولم يجد نفسه مُحرجاً ان الانتحار تحدّ للسماء ولتعاليمها.

لم يكترث بل نفض الغبار عن كفنه الابيض لانّه لطالما عانى من وسواس قهري بما خص النظافة.

انتبه السيد انكر ان صاحبنا غير مهتم لمصيره اكانت جهنم او لا بقدر ما هو مهتمّ ان ينجو من الحياة الدنيا.

انزعج الملاك ان صاحبنا غير مكترث بملذات الدنيا كلها ولو كانت زينة وتفاخر …

ساد الصمت .

تنهد صاحبنا وابتسم،نظر في عيني الملاك واخبره أن انتحاره في يوم وفاته لم يكن قراره الاخير ابداً إذ أعطى للسماء فرصة أخيرة للتدخل لمنع الاستقالة الطوعية من الحياة،ان السماء اهملت نداءاته، انّه انتظر ابتسامة من عابر سبيل،من امرأة مشحونة بالقهر،من رجل ميسور،من شاب عاشق،من فتاة مغرمة،من كاهن،من شيخ،من مهرّج حتى انه رضي بابتسامة من هرّ ،من كلب شارد،من عصفور هارب من ضجيج السيارات حتى انه انتظر ابتسامة من جرذونٍ يعبر الشارع، ان يغمزه بطرف عينه المتسّخة بالمياه الآسنة.

 لا ابتسامة حتى من جدار شارع متعب من عبارات تأييد لقادة عصابات.

قال،

قال انّه كان مستعدّاً ان يرضى حتى بغمزة عين متسخة بمياه آسنة و لو من جرذون ليعتبرها اشارة الهية تنهيه وتمنعه من رمي نفسه في البحر.

بلا اهتمام.

بلا جدوى.

قال للملاك انه انتظر الابتسامة من هؤلاء كإشارة على الأقلّ ليؤجل قراره عسى الفرج يأتي.

لا يأتي الفرج.

حتى الفرج صادروه واحتكروه وباعوه خردة وسلعة وعملة وبركة وادعية في معابد..

أمعن صاحبنا النظر في وجه الملاك وسأله:

-و انت اين كنت عندما حاولت وجاهدت وكافحت وتحطمت وتبهدلت ودُعست وسحقت وكلّي امل ان يتدخل الرب لسحق الاوغاد والانذال والطغاة واللصوص والمجرمين؟

لا بل فوجئت بإعصار في درنة الليبية وبزلزال مراكش المغربية وشاهدنا جميعا اطفالا غير خاضعين لحساب يموتون تحت الحجارة …

هزّ الملاك رأسه محركا جناحيه واجاب:

–انا اسأل ولا أُسأل.

لم يعجب كلام الملاك صاحبنا ،عاد وتمدد جيدا واعاد.الكفن على جثته كغطاء وسمعه الملاك يتمتم قائلاً.:

-لا نستطيع التعبير والكلام حتى مع الملائكة! ،اتينا الى حيث نحن هاربون منه، حتى الملاك لا يبتسم…

حتى الملاك لا يبتسم ويعاتبني على انتحاري…

مات مرة ثانية من جديد دون ان يرد على سؤال الملاك الاخير :

–رجل الدين الذي صلّى على جثمانك مخالفا وصايانا قال انه لا يعرف عنك الا خيراً علما انّ سجلّك حافل بالانتفاضات والأسئلة الوجودية كسؤالك من خلق الله!…

يستحيل ان يكون الملاك من جماعة النظام ،عبارة لم ينطق بها صاحبنا انما خطرت بباله ليموت مرة ثالثة.

في بلادي يطرق الموت باب المنتحر ثلاث مرّات.

#د_أحمد_عياش.

زر الذهاب إلى الأعلى