رسائل جنبلاط التي لا تنتهي، وماذا يريد أن يكشف
بقلم ناجي أمهز
ربما أنا من الذين عاصروا الحقبة الأخيرة لعمالقة السياسة عندما كانت السياسة فن الممكن، ولغة العباقرة، وفلسفة فلاسفة صناع القرار الوطني، فالسياسة موهبة كالشعر والصوت الجميل، لا يمكنك مهما تعلمت وتدربت وتلونت، أن تتقن فن السياسة إن لم تكن خلقت بالفطرة سياسيا.
حقيقة لست هرما، ولكن عشت عن قرب مرحلة مفصلية في السياسة المارونية، وأيضا تليت على مسامعي عشرات مزامير السياسة والروايات والفرمانات من أصحابها مباشرة أو من كان لصيقا صديقا لأصحابها بأدق التفاصيل واعقدها.
وكان دائما في احاديث النخبة المارونية الم كبير على اخطاء ارتكبت باسم الموارنة جلبت الويلات على هذا الوطن الجميل الذي كان حلما لكافة الاقليات الحرة التي لا تدجن وفي مقدمتهم المردة الموارنة والثوار الشيعة والموحدين الدروز اصحاب الحكمة، وحتى النخب السنية من رجال دين وعائلات تميزت عن اقرانها.
ومن الطبيعي قبل نصف قرن أن تلوم المارونية نفسها، وهي التي كانت تسيطر على كل مفاصل القرار السياسي في لبنان، كما أن التفوق الماروني كان مشهودا له في الشرق الأوسط، خاصة في مجالات الطب والهندسة والاقتصاد والتعليم.
ما زلت اتذكر كيف كانوا يتسامرون عن اسباب الرفض ان يكون لبنان عربيا ولماذا كان بشير الجميل يقول عن العرب انهم بدو يركبون الجمل، ولماذا ذهب الموارنة كثيرا مع اسرائيل التي قال عنهم رئيس حكومتها بيغن عندما سئل من قبل الصحافة عن مجزرة صبرا وشاتيلا، صرخ بيغن بهم قائلا لماذا هذا الضجيج لأن مجموعة من الغوييم ذبحت مجموعة اخرى، وتريد القاء اللوم على اليهود.
وعلى الرغم من مقولة بيغن ان الموارنة غوييم، الا انه حتى هذه اللحظة تسمع من بعض الموارنة المارين في السياسة انهم يفتخرون بالعلاقة مع الإسرائيليين، وليتهم قبل هذا الفخر يقرؤون التاريخ الذي كتبه ابائهم، وماذا تعني كلمة غوييم.
وطالما تغنى الموارنة بعلاقاتهم بالغرب، ومنذ ان سيطرت امريكا على القرار العالمي كان اول قرار اتخذته بالشرق العربي، هو ارسال دين براون عام 1976. ليقدم لرئيس سليمان فرنجية عرضاً يقضي بنقل المسيحيين بالبواخر إلى بقاعٍ آمنة من العالم.
وطالما اطرب هنري كيسنجر اللوبي الصهيوني على انغام مقولة «لبنان خطأ جغرافي». وهناك من قال لبنان خطا تاريخيا وزيادة في الجغرافيا.
حلم امريكا ان ترتاح اسرائيل على حساب لبنان والاردن، لذلك لا ضرر ان يرحل الموارنة ويوطن مكانهم الفلسطينيين، وهكذا تنتهى ازمة الكيان الاسرائيلي.
النخبة المارونية طيلة عقود وهي تنفي رواية الرئيس سليمان فرنجية بأن امريكا عبر وزير خارجيتها كيسنجر طالبت بنقل المسيحيين بالبواخر، كانت الحقيقة صعبة جدا على الموارنة، وهم يتصورون انفسهم نقطة ارتكاز الكرة الارضية ومحور الكون، وبالرغم عدم تصديقهم ان الامريكيين غير مهتمين، وان بيغن قال عنهم غوييم، الا انهم حتى هذه اللحظة يحدثونك عن الاهتمام العالمي بلبنان.
كيسنجر، طيلة عقود لم ينف او يؤكد بصورة واضحة كلام براون للرئيس فرنجية، لكن قال لي احد النخب اللبنانية ان كيسنجر في كتابه الاخير leadership ذكر هذه النقطة تحديدا دون الاستفاضة عن الوضع اللبناني لكنها اشارة تكفي ان تكون تحذيرا ربما يتحقق.
الموارنة لا يريدون الاعتراف بانهم كما بقية البشر، احيانا يخطؤون، لكن بدل الاعتراف بالخطأ، يبحثون عن من يحملونه وزر اخطائهم.
في منتصف التسعينيات قال لي احد الشخصيات المارونية المرموقة، وهو في اواخر ايامه بسبب تليف الكبد من كثرة شرب الكحول، فقد كان يحتسي يوميا زجاجة ويسكي وعشرات حبوب الاعصاب بمحاولة لنسيان جريمة الصفرا التي شاهدها لحظة حدوثها.
كان يقول النخبوي الماروني نحن ضيعنا لبنان اختلفنا نحن واهلنا الروم قبل الاستقلال حتى صار شعار الروم في الشام “التركي ولا بكركي”.
عيشونا هاجس في لبنان اما نحكم او نُحكم.
اختلفنا نحن واخوتنا بالوطن الطائفة السنية حول عروبة لبنان، وعملنا ثورة شمعون 1958 وادخلنا الامريكي، واستخدمنا القوة اتجاه ابناء وطننا وسببنا جرح وان شفي، اثره ما بيختفي.
ونحن دخلنا الفلسطينية للبنان باتفاق القاهرة، المسلمين لم يكن لهم دور بالسلطة، كان فينا نعارض ونرفض الاتفاق، بس اي ماروني بتوعده برئاسة الجمهورية بيعمل اي شي.
المسلمون ما خصهم بالحرب الاهلية، بس نحنا قاتلنا الفلسطينية يلي نحن وافقنا على دخولهم لبنان بقيام حرب دفع ثمنها كل لبنان.
ونحن قاتلنا السوريين يلي دخلناهم للبنان تيحمونا من الفلسطينية
ورجعنا تقاتلنا نحنا مع بعضنا الموارنة من اهدن حتى الصفرا
في حد يخبرنا ليش صارت مذبحة الكرنتينا والصفرا، وليش بدنا نحمل قدام العالم كله وزر مجزرة صبرا وشاتيلا، كل العالم انتقدنا على مجزرة صبرا وشاتيلا، ويلي قتلناهم بمجزرة صبرا وشاتيلا، شو هني يلي اغتالوا الرئيس بشير، شو ذنبهم، واذا بدنا نبني دولة عدالة منطبق القانون، لو يقرأ شو نكتب عنا بامريكا واوروبا ساعتها رح نعترف انه نحن السبب باتفاق الطائف، لا المسلمين ولا السوريين.
نحن الموارنة يلي كان كل العالم يعول علينا أننا نطور القوانين بالشرق الأوسط، ونلغي عقوبة الإعدام والتمييز العنصري، ونساهم بتعميم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، صرنا أكثر طائفية وعنصرية وصار بدنا وطن لحالنا على قياسنا وحسب رغباتنا، وصرنا نحاسب الناس على انتمائها مش على انتهاكها للقوانين.
شارل مالك طور الأمم المتحدة ونحن بلبنان عم نمارس أبشع مظاهر التخلف، ليش بدنا نعيش كل عمرنا وعلى أيدينا دم أنه نحن ارتكبنا المجازر، حتى لو الآخرون اعتدوا علينا كان عنا ألف طريقة وطريقة نحاسبهم، وبدل ما نحكم لبنان كنا حكمنا المنطقة كلها بعلمنا وفهمنا وانفتاحنا، مش متل ما تصرفنا.
انا من وجهةنظري الماضي اصبح ورائنا، وربما تغريدة وليد بيك ” ذكريات الماضي من حرب لبنان عام ١٩٧٥ / ٧٦ الى حصار بيروت عام ١٩٨٢ ومجزرة صبرا وشاتيلا مع Jonathan Randal الذي اتى الى بيروت للتعزية ب Lucien George .ان الكتب الذي الفها مميزة ومنها Going all the way
ربما تكون رسالة وليد بيك في هذا الزمن الصعب انه يجب اعادة قراءة كتاب ” حرب الألف سنة حتى آخر مسيحي، أمراء الحرب المسيحيون والمغامرة الإسرائيلية في لبنان – جوناثان رندال”