ثورة الحسين (ع) حقيقية
ولم تكن استجدائية!
خليل إسماعيل رمَّال
يوم العاشر من محرَّم ليس كسائر الأيام. إنه يوم الحسين (ع) بامتياز. يومٌ جعل الله من الحسين (ع) إمام الأجيال ومُعلِّم الإنسانية بالتضحية المُطلقة بنفسه وبأهل بيته، وبالفداء وبالعطاء وبالإستقامة وبالحرية وبالكرامة وبالعشق الإلهي وبالرحمة حتى على الأعداء القَتَلة، وبرفض الظلم والطغيان ولو على حد السيف.
وبالرغم من النوايا الطيبة لمعظم قارئي العزاء ومحاولاتهم استدرار الدمع على الإمام العظيم في واقعة الطف، وبالرغم من أن البكاء والجزع مكروه إلا على أهل البيت (ع) وخصوصاً على الإمام الحسين (ع) كما جاء في الأحاديث، إلا أن عليهم أن يتحققوا مما يقولون وينسبون للحسين (ع) من مواقف لا تليق بقامته وبإمامته المعصومة وبشموخه وسُموُّه وقوته وعظمته وريادته. ثم أن الأمر لا يحتاج إلى تضخيم ومبالغات حتى يُنزِلَ الدَّمع مِدراراً من العيون على الإمام الطاهر الذي لم يتعرض أحد لِما تعرَّض له من ظلم في تاريخ الكون! ومن لا يبكي بعد سماع هذه المصيبة الإنسانية فلا قلب له لأن مجرد سرد الحقائق بذاتها يحرق نياط القلب ويدفع للحزن والكآبة والتفجع بلا إرادة.
لكن بعض قراء العزاء يصوِّرون الإمام الحسين (ع) وكأنه يستجدي ويطلب ماء الفرات لعائلته من المرتزقة المجرمين وخصوصاً لإبنه الرضيع الشهيد عبدالله وغيرها من المواقف الضعيفة. على العكس، الإمام الحسين (ع) لم يقر لهؤلاء المنحطين، من جند يزيد، إقرار العبيد ولم يفر منهم فرار الذليل ولم يفسح لهم المجال للشماتة به رغم الحصار والعطش، بل كان قدوة وسدَّاً منيعاً صلباً في العزم ورباطة الجأش والريادة والقيادة وكان يعلم تكليفه كإمام معصوم ويعرف مصيره المحتوم وعندما كان يخاطب القوم اليزيدي النجس، كان يفعل ذلك من موقع القدرة والقوة التي أسبغها الله عليه وعلى والده وأخيه عليهم السلام وكان غرض الخطاب فقط لكي يلقي عليهم الحجة ولكي يُعلِّم الأجيال التي ستعرف بما حصل مستقبلاً، دروساً في العطاء والثورة. لذا فهو لم يستكن ولم يهدأ ولم يستجدِ شربة ماء رغم عطش الأطفال والنساء ولم يستعطف أشر خلق الله شمر بن ذي الجوشن، لعنه الله وأسياده في نار جهنم إلى يوم الدين.
كذلك موقف العقيلة الكبرى زينب أخت الحسين عليهما السلام، وقائدة الثورة في المرحلة الإنتقالية بعد استشهاد الحسين وفترة السبي ومرض سيدنا زين العابدين (ع)، حيث طلب منها الإمام الحسين ألا تحزن وألا تشق عليه جيباً وتهتم بأطفاله ونسائه فكيف تخالف هذه الوصية وهي أم أبيها أمير المؤمنين وبنت الطاهرة البتول فاطمة الزهراء عليهم السلام جميعاً؟
بالعكس، لم تمنح زينب للأعداءالفرصة لكي يشمتوا فيها فلم تبكِ أخيها الحسين والعباس (ع) وأهل بيته وأصحابه أمام الزنيم اللعين يزيد ولا أمام أحد وهي التي ردَّتْ على اللعين عندما سألها رأيها عن “صُنع الله” باستشهاد الحسين فقالت ما رأيت ألا جميلاً! هذه إمرأة ،كأخويها،تملك قلب وشجاعة علي بن أبي طالب (ع) وحاججت الطاغية السفَّاح يزيد بالحجج الدامغة رغم هول الكارثة وخلَّد التاريخ كلماتها بعد أن تحدَّتْه في عقر مُلكِه، فكيف تنهار وتبكي أمامه أو تذهب للميدان حتى يراها الفرسان وهي محتشمة مكرَّمة معزَّزَة. نعم ربما عاينت الأجساد الطاهرة تحت جناح الليل لكن ليس أمام نظر وشماتة الأعداء، فلا يجب على القراء المُحترمين أن يقعوا في هذا الخطأ الجسيم ويصوروا عظيمتنا زينب منهارة وباكية وضعيفة أمام الطغاة، بل صامدة شامخة كالنخيل وحافظة وصائنة وحامية للأيتام الحسينيين! فالثورة الحسينية لم ولن تكون إستجدائية، بل ثورة إلهية إيثارية حقيقية حضارية وأصيلة.
لقد انتصر الإمام الحسين (ع) باستشهاده وصوَّب البوصلة بدمائه رغماً عن الحركة الأموية واليزيدية وأتباعهما من المنحرفين والتكفيريين والنواصب والمتصهينين الذين أرادوا الثأر لأجدادهم في الجاهلية من صناديد العرب والكُفَّار الفُجَّار الذين جندلهم سيف ذو الفقار وأرسلهم إلى الحريق والنار، لكن هيهات هيهات فها هو ذكر الحسين وأهل البيت على كل شفة ولسان وها هو العالم بأسره حتى من غير المسلمين يَهبُّ لإحياء ذكراه والإقتداء بدروسه وعِبَرِه.
عظَّم الله أجور أتباع الحسين وأهل البيت وكل من أحيا ذكر الحسين من المسيحيين الشرفاء وغير المسلمين، بمصاب أبي عبد الله الفائز بدمه على السيف في كربلاء ومحقق الكرامة والحرية والذي ببركة وهدي ثورته وفدائه بنفسه ونفس عائلته وأصحابه، ينتصر اليوم محور العزة والشرف والجهاد الحقيقي، محور المقاومين الحسينيين البواسل حماة ثغور الأمة.
(عن روح والدتي الحجة زينب سالم رمَّال والحج إسماعيل عبدالله رمَّال)