.

مشروع موازنة أم مشروع أفقار ؟

 

د. عماد عكوش

نصت المادة 83 من الدستور اللبناني على : كل سنة في بدء عقد تشرين الأول تقدم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويقترع على الموازنة بندا” بندا” .

كما نصت المادة 86 على أنه في حال عدم اقرار الموازنة أو تأخير أقرارها على ما يلي :

أذا لم يبت مجلس النواب نهائيا” في شأن مشروع الموازنة قبل الانتهاء من العقد المعين لدرسه فرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة يدعوا المجلس فورا” لعقد أستثنائي يستمر لغاية كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة وأذا انقضى العقد الأستثنائي هذا ولم يبت نهائيا” في مشروع الموازنة فلمجلس الوزراء ان يتخذ قرارا” ، يصدر بناءا” عليه عن رئيس الجمهورية ، مرسوم يجعل بموجبه المشروع بالشكل الذي تقدم به الى المجلس مرعيا” ومعمول به . ولا يجوز لمجلس الوزراء أن يستعمل هذا الحق ألا أذا كان مشروع الموازنة قد طرح على المجلس قبل بداية عقده بخمسة عشر يوما” على الأقل .

على أنه في مدة العقد الاستثنائي المذكور تجبى الضرائب والتكاليف والرسوم والمكوس والعائدات الاخرى كما في السابق وتؤخذ ميزانية السابقة أساسا” ويضاف اليها ما فتح بها من الاعتمادات الاضافية الدائمة ويحذف منها ما اسقط من الاعتمادات الدائمة وتأخذ الحكومة نفقات شهر كانون الثاني من السنة الجديدة على قاعدة الاثني عشرية .

من مضمون نص هاتين المادتين يتبين لنا حجم المخالفات التي ارتكبتها الحكومة اللبنانية ولا زالت ترتكبها منذ فترة طويلة ، خاصة اذا ما أضفنا عليها ما تنص عليه المادة 87 والذي يفرض على الحكومة تقديم قطع حساب السنة السابقة ليوافق عليها المجلس قبل نشر موازنة السنة اللاحقة ، وهذا للأسف ما لا يحصل .

لم تراعي هذه الموازنة الوظائف الأساسية لها والتي تتضمن التخطيط من خلال تحديد الهدف وسبل الوصول اليه ، الرقابة من خلال عملية المقارنة والتي لن تحصل لعدم توفر المعلومات التي تصلح للمقارنة بها ، التنسيق بين كل الوحدات فالوحدات في حالة شلل شبه كلي من خلال الأضرابات المفتوحة التي تقوم به مختلف هذه الوحدات ، وأخيرا” تقييم الأداء الغير ممكن في ظل عدم حصول الادارة على نتائج الأداء الحقيقي .

بالعودة الى مضمون موازنة 2023 والتي قدمت أخيرا” للمجلس النيابي خارج المهلة الدستورية فالمؤسف أنها لا تراعي الاوضاع الاقتصادية الحالية ولا تتضمن أي خطة أو بالحد الادنى بداية خطة للخروج من المأزق الكبير الذي يعيشه الشعب اللبناني .

كما شملت تعديلات كثيرة من ناحية الضرائب والرسوم وخاصة لناحية الضرائب والرسوم والضرائب المقطوعة حيث تضاعفت بالحد الادنى عشرة أضعاف عما كانت عليه ووصلت الى حدود ثلاثين ضعف بالنسبة لبعض الفئات والابواب .

أما اهم هذه التعديلات 

المادة 18 – تم تعديل التنزيل العائلي بما لا يتلاءم مع انخفاض القيمة الشرائية لليرة اللبنانية وحجم الدخل الحالي والمتوقع في الفترة اللاحقة ، فالتنزيل العائلي للأعزب سوف يعادل حوالي 1200 دولار أميريكي بينما كان في السابق ما يعادل 5000 دولار أميريكي ومع عودة الرواتب في القطاع الخاص الى سابق عهده قبل الازمة وهذا الامر متوقع فهذا يعني ان حجم اقتطاع الضريبة سيكون أكبر .

المادة 22 – تنزيل السكن عند احتساب ضريبة الاملاك المبنية ستعادل حوالي 1100 دولار بينما كانت سابقا” قبل الازمة حوالي أربعة الاف دولار ومع عودة أسعار العقارات الى سابق عهدها سيتم تحميل المواطن مزيد من الضرائب على هذه العقارات .

المادة 29- إستحداث ضرايبة جديدة تقضي بفرض ضريبة على الايرادات بمعدل 2% على كل شخص طبيعي او معنوي حتى لو كان مركز نشاطه خارج لبنان، ويقوم بنشاط يتعلق بأموال او خدمات لصالح اشخاص في لبنان من خلال الانترنت او اي منصات إلكترونية.

مادة 31- اقتطاع ضريبة بمعدل 3 بالمئة من وديعة المتوفي قبل توزيعها وفقا” لقرار حصر الأرث دون تحديد اي تنزيل ودون احتسابها وفقا” لشطور لمزيد من العدالة . لكن كيف سيتم تطبيق هذه المادة في ظل قانون السرية المصرفية والذي لا زال ساري المفعول .

المادة 43- مضاعفة الرسوم والضرائب الغير مشمولة تحت أي بند ثلاثين ضعف في حين لم يتم زيادة الرواتب الا بمقدار سبعة أضعاف مما يحمل المواطن مزيد من الاعباء على حساب قدرته الشرائية .

المادة 44- تمديد العمل بالمادة 71 الواردة في موازنة العام 2022 والتي تفرض رسم اضافي بمعدل 3 بالمئة على كافة المستوردات باستثناء مادة البنزين ، المعدات الصناعية ، والمواد الاولية الداخلة في الصناعة والزراعة لغاية نهاية العام 2026 بدل نهاية العام 2023 .

المادة 48- احتساب رسم أشغال الاملاك العمومية بمعدل 1 بالمئة من بدل الايجار السنوي فيما عائد الاستثمار في تأجير العقارات لا يقل عن خمسة بالمئة حاليا” ، وزيادة رسوم رخص البناء بطريقة تصيب الفقراء بشكل أكبر على سبيل المثال مئة الف رسم عن كل متر مربع للطابق ضمن حد اقصى 12500000 ليرة للطابق مما يجعل كلفة من يبني 120 متر كمن يبني ثلاثماية متر في الطابق .

المادة 54- تحدد بقرار يصدر عن مجلس الوزراء بناءا” على اقتراح وزيري المالية والبيئة المبالغ المستحقة تطبيقا” للمادة 61 من القانون 144 تاريخ 31/7/2019 وتحصل بالدولار الاميريكي ونودع في حساب خاص بالدولار لدى مصرف لبنان وتنفق حصيلته على الاعمال البيئية . هذا يعني اننا عدنا الى التحاصص في مجلس الوزراء وضمن الوزراء .

المادة 56 – زيادة رسوم الميكانيك ، رسوم اللوحات ، رسوم المعاينة ، ورسوم رخص القيادة بما يزيد عن عشرة اضعاف الرسم السابق .

المادة 61- فرض رسم اضافي على مشروبات الطاقة والمشروبات الغازية قدره 5000 ليرة عن كل ليتر سواء كان منتج محليا” او مستورد من الخارج .

المادة 62- فرض رسم اضافي على المعاملات العقارية بدل اجور وخدمات بقيمة 500 الف ليرة لبنانية لصالح موظفي الدوائر العقارية .

المادة 69- تعديل الحد الادنى لرقم الاعمال الذي يفرض على المكلف التسجيل لدى دائرة الضريبة على القيمة المضافة ليبلغ 750 مليون ليرة لبنانية اي ما يعادل 8000 دولار أميريكي اليوم فيما الرقم في الدول المحيطة ومنها المملكة العربية السعودية ، الامارات ، ومصر ، يبلغ حوالي مئة الف دولار اميريكي مما يرتب على المكلف تكاليف يصعب عليه تحملها في مسك السجلات المحاسبية وتعيين محاسب وتنظيم مستندات مكلفة .

مادة 80- لا تحتسب اي زيادة في الرواتب تم الحصول عليها منذ العام 2020 من ضمن اساس الراتب وبالتالي لا تدخل في احتساب اي امر ومنها طبعا” التعويضات او المعاش التقاعدي .

هذه التعديلات للأسف لا تتلاءم مع حجم الرواتب والاجور الحالية وخاصة في القطاع العام مما يحمل موظفوا هذا القطاع حجم من الضرائب والرسوم لا تتناسب مع قدرته الشرائية ، كما ان حجم الشطور والتنزيلات لا تتلاءم مع حجم رواتب القطاع الخاص ، مما يحمل هؤلاء المزيد من الضرائب والرسوم .

يبدوا انّه لدى الدولة أعباء تسعى الى تغطيتها عبر فرض ضرائب واعباء جديدة من دون اتخاذ اي خطوات اصلاحية ، وفي النهاية نحن لا نزال أبعَد ما يكون ووفقا” لهذه التعديلات عن العدالة الضريبيبة.

ان زيادة الغرامات التي لَحظَها مشروع الموازنة حيث رفع غرامة التحقق من 5 الى 10%، زيادة غرامة التحصيل من 1 الى 2% أو من 1.5 الى 3%، رفع الغرامات المقطوعة من 20 الى 40% وحتى الى 75%، رفع الضريبة على اعادة التقييم من 10% الى 15% لِتَتساوى مع الضريبة على التفرّغ يزيد من أعباء المواطن في ظل عدم فتح الادارات العامة والتي يجعل من عملية التصريح والتسديد أمر صعب جدا” مما يؤدي بشكل دائم الى تمديد المهل اليوم .

انطلاقا” من كل ما ورد هل كانت هذه الموازنة مدروسة بشكل موضوعي ومنطقي وعلمي قبل تقديمها لمجلس الوزراء ، وهل سيقرها مجلس الوزراء بحالتها كما هي بحجة تغطية الانفاق للأشهر القادمة ، وبحجة عدم وجود الوقت الكافي لأعادة دراستها مجددا” .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى