الإنقسام الإسرائيلي يُقلِق صهاينة أميركا، دعوات نادرة من اللوبي لخفض المعونة!
خليل إسماعيل رَّمال
لم يعد سِرَّاً وقُوع الإنقسام المجتمعي الإسرائيلي الأُفُقي والعامودي حول التعديلات القضائيَّة التي ستؤدي لإلغاء إستقلالية المحكمة العليا وتمنح امتيازات خاصَّة للجماعات الدينية المتطرِّفَة، لكن المُستجِد الخطير في هذا الشرخ هو انتقاله إلى جماعات اللوبي الصهيونية في أميركا حيث بدأ هؤلاء المؤيدين بشدة لإسرائيل بالجهر لأول مرَّة أن زعم الدولة العبرية بأنها نموذج في الديمقراطية مهدَّد بالإنهيار وإنَّ هذا ما يقضُّ مضاجعهم حالياً.
فقد ذكر الكاتب فيل وايس في نشرة “موند وايس” التي تؤيد النضال الفلسطيني أن ما يحدث هذه الأيام جعلنا نشهد مخاض وآلام ومآزق المحظيين من اللوبي الإسرائيلي المُتَمتِّعِين عادةً بامتيازات خاصة هائلة!
على سبيل المِثال لنأخذ سوزي غيلمان من منظمة “منتدى سياسة إسرائيل”، حيث أعربَتْ عن استهجانها من استخدام قوات الشرطة الإسرائيلية “مياه ظربان” skunkwater، وهي مياهٌ مُلوَّثَة ذات رائحة مُنفِّرَة كرائحة سائل الظربان skunk الكريهة عندما يرش المعتدي عليه به، لتفريق المتظاهرين ضد سياسة نتنياهو. ووصفت هذا العمل “بالفظيع”. لكن طبعاً لم تستهجن غيلمان هذه حقيقة أن إسرائيل تستخدم “مياه الظربان” لرش المتظاهرِين الفلسطينيين منذ عدة سنوات، وتحت أنظارها وأنظار العالَم وهذا لا يُقارَن طبعاً بالقتل والسجن ومصادرة الأراضي المُحتَلَّة. لكن رغم استنكار غيلمان إلَّا أنها لم تترك مجالاً للتقوُّلات وسارعت للطلب من “اليهود الأميركيين ألَّا يديروا ظهورهم لإسرائيل..”.
أمَّا يسمى “باتِّحاد رؤوساء المنظمات اليهودية الرئيسيَّة”، وهو مؤتمر يجمع منظمات وجماعات اللوبي الصهيوني، فقد سارع لإصدار بيان بعد إقرار التعديل القضائي في تل أبيب، يزعم فيه أن “الحوار القائم (في إسرائيل) هو من سِمَات الديمقراطية الإسرائيلية”. إلا أن بوادر إنشقاق طفت على السطح لأول مرة داخل “المؤتمر” حيث أعلنت منظمة صهيونية عن انسحابها من الإتِّحاد بعد أن “نفذ صبرها ولم تعد تهضم بناء المستوطنات اليهودية القائم منذ سنوات” حسب تعبيرها.
إلا أن رئيس المؤتمر أو الإتِّحاد،، وليام داروف، حاول التغطية على إنسحاب المنظمة المذكورة بالزعم أنها متخلفة عن دفع ١٥ ألف دولار كرسوم عضوية!
وفي الفترة الأخيرة يبدو أن اللوبي الإسرائيلي أصابه بعض الوهن والتضعضع لعدة أسباب لا مجال لذكرها الآن، لكنه يبقى أحد أقوى وأفعَل جماعات الضغط على الإطلاق ومن المُبكِّر إعلان موته. إلا أنه حسب المراقبين لسياسات الضغط السياسي، هنا فإن اللوبي الإسرائيلي بنظرهم أصبح يُشكِّل مهزَلَة سلطوية واسترضائية معاً.
فكما ذكرنا، بدأت تطفو على سطح اللوبي الصهيوني بوادر القلق والفرقة معاً. مثلاً ماكس بووت، وهو من المحافظين الجدد الذي أعلن عشقه لإسرائيل منذ صغره، أقرَّ في مقال في “واشنطن بوست” أن الأحزاب التي تمثل المستوطنين في إسرائيل لا تخفي أن هدفها هو ضم الضفة الغربية كلها مما قد يُغرِق إسرائيل في المزيد من وحول الإحتلال وتبعاته والذي سيؤدي لإدانات من جماعات حقوق الإنسان ووصم إسرائيل بأنها دولة أبارثايد”.
وكان الصحفي المتصهيِن توماس فريمان قد ردَّد نفس القلق منذ أسبوعين. والعجيب أن بووت أضاف “إن على الولايات المُتَّحِدَة أن تنظر في إمكان السحب التدريجي للمعونات العسكرية الأميركية لإسرائيل بسبب استمرار الإحتلال وكون إسرائيل أصبحت مارقة بسلوكها”!
وأردف” إسرائيل اليوم لم تعد ليبرالية وحليف ثقيل ذا عبء؛ أنها هنغاريا الشرق الأوسط”! وأكد بووت أن تل أبيب ليست في صف أميركا وأوكرانيا وأن “نتنياهو يحاول أيضاً منع بايدن من إعادة إحياء الإتِّفاق النووي مع إيران. نعم أن نتنياهو يتدخل بنجاح منذ زمن طويل والولايات المُتَّحِدَة تنقاد بسرعة”!
إصافةً إلى بووت، ردّّدت بعض الأصوات اليهودية الصهيونية الأخرى، ما كان حتى الأمس القريب خطَّاً أحمراً ممنوعاً ذِكْره ألا وهو “تخفيض المساعدات العسكرية الأميركية”. فقد اتفق مدير منظمة يهودية “ليبرالية” تدعى “منبر الأميركيين للسلام الآن” هدار ساسكاند مع سوزي غيلمان على أن “على حكومة الولايات المُتَّحِدَة أن تنظر في مسألة خفض المساعدات العسكرية بسبب سياسة إسرائيل التوَسُّعِيَّة”. ومما يثير الدهشة أن غيلمان أكَّدَتْ “لا يمكنك إقامة ديموقراطية حقيقية إذا كنت تحكُم لفترة غير معلومة أكثر من ٥ ملايين نسمة. هذا مستحيل”. وأعربت غيلمان، التي تجتمع دورياً بالرئيس وأعضاء الكونغرس ومهمتها الضغط على الحزب الديمقراطي الحاكم، عن أنها منفتحة بالنسبة لقضية عدم دعم إسرائيل في الأمم المُتَّحِدَة، وهذا يناقض تماماً سياسة اللوبي الإسرائيلي بنصرة إسرائيل دوماً وفي كل الحالات عبر الڤيتو الأميركي!
أمَّا ساسكاند فأدلى بدوره بالقول إنَّ نهج الحكومة الأميركية والدولة يتغير بسرعة من ناحية خفض المساعدات العسكرية منذ ثلاث سنوات فقط وهو ما كان راسخاً لمدة ٢٠ عاماً. ودل ساسكاند على أن السناتور اليهودي بيرني ساندرز والممثلات الأربعة في الكونغرس المعروفات بالكتيبة، هم أول من دعوا لخفض المساعدات العسكرية لإسرائيل.
ووافق ساسكاند مع غيلمان بإمكانية وقوع حرب أهلية في إسرائيل “بسبب سياسات بن غفير ودعواته للعنف” مؤكِّدَاً “إنَّ اليسار الإسرائيلي هو أيضاً مُسلَّح” ومستطرداً “إن كمية الحقد بين الطرفين كبيرة جداً”!
وفي الخِتام إعترف هادار ساسكاند إن اللوبي الإسرائيلي قد نجح إلى حدٍّ كبير في غسل عقول السياسيين حيث علَّم أجيالهم الكلمات الكودية مثل “الإتحاد الذي لا ينفصم” و”العلاقات الخاصة جداً” بين أميركا وإسرائيل لهذا يتطرق السياسيون هؤلاء للخوض في مشاكل إسرائيل وقد ينتقدونها ولكن فقط في جلساتهم الخاصة ويخشون توجيه لوم لها علَنَاً خوفاً من إطلاق تهمة معاداة إسرائيل عليهم. وختم بالقول أن اللوبي الإسرائيلي يريد تغيير هذه الطريقة عبر تشجيع الساسة على أن يتجرَّأوا بالنقد بالعلن وأن “يكافحوا من أجل ديمقراطية إسرائيل”!