.

المونسينيور نجيب في الديمان: سامحني يا أبتاه

كتب زياد عيتاني في “أساس ميديا”

ينقل أحد المقرّبين من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عنه قوله في جلسة خاصة: “حياتي السياسية وصلت إلى نهايتها. اقترب وقت التقاعد”. قد يقول البعض إنّ هذا الكلام ليس بالجديد على الرئيس ميقاتي. أو بعبارة أصحّ، إنّ نمط كلام كهذا معروفٌ عنه وتمّ نقله بأكثر من صيغة ومناسبة، وربّما يشبه كثيراً ما كان يُنقل عن لسانه أيّام نادي رؤساء الحكومات السابقين، الذي اشتُهر باسم “نادي الغولف” حيث كان يردّد ويقول في جلساته المغلقة وليس في الإعلام أنّه غير راغب برئاسة الحكومة، وأنّ المجنون وحده يقبل برئاسة حكومة وسط هذه الظروف. جملة إن شكَكتُ في من نقلها فإنّني سمعتها بنفسي من الرئيس ميقاتي مباشرة أكثر من مرّة.

من حقّ ميقاتي..!

من حقّ الرئيس نجيب ميقاتي أن يستريح أو أن يُريح. كما من حقّه أن يحدّد سنّ تقاعده السياسي، أو زمن الإجازة القسرية التي يريدها. من حقّه أن يحدّد سياسات حكوماته، إن كان يملك قرارها، وأن يرسم معالم خطّته ورؤيته للإنقاذ، وقد مرّ على هذا العمل الوقت الكثير.
من حقّه أن لا يترشّح للانتخابات النيابية كما فعل، أو أن يدعم لائحة من تحت الطاولة من دون أن يعلم أحد ما يُحاك ويحصل. لكن ليس من حقّ الرئيس نجيب ميقاتي كما لم يكن من حقّ مَن سبقه، بدءاً من الرئيس سعد الحريري مروراً بحسّان دياب والعياذ بالله، ثمّ رفيق الحريري وسليم الحص، وانتهاء برياض الصلح رئيس حكومة الاستقلال ذاك الرجل العربي الأصيل. ليس من حقّ الرئيس ميقاتي وكلّ هؤلاء، الكبير منهم والصغير، أن يتنازل أو أن يفرّط بصلاحيّات رئاسة مجلس الوزراء وصلاحيّات ساكن السراي الكبير.

هي صلاحيّات لم تُقدّم لنا نحن سُنّة لبنان على صحن من فضة، ولم تكن منّة من أحد في كلّ ما مرّ من التاريخ. هي مكاسب وامتيازات حُقّقت بالنضال والكفاح والمثابرة والعناد، ووفقاً لها وافقنا على إنشاء لبنان الكبير، مع كثير من الامتيازات في حينه، من الإفتاء إلى قانون الأحوال الشخصية إلى الميثاقية وأشياء وأشياء لا مجال لحصرها في هذا المقال الصغير. لكن تبدو الأيام مهرولة كي نضطرّ إلى أن نقف رافعي الصوت لنعدّد كلّ ذلك حتى يسمع القريب والبعيد.

سامحني يا أبتاه

يتعامل ميقاتي مع صلاحيّات السراي الكبير على أنّها وعاء لأنواع شتّى من الفاكهة الصيفية يضمّ عنب الضنّيّة وتينها وتفاحها وإجاصها، وبرتقال بساتين طرابلس التي جُرفت، وحلاوة الجبن والرزّ والشميسة، فيقدّمها لكلّ زائر فاضل وكريم فيختار منها كلّ واحد ما يشتهي ويحبّ ويريد. تارة يُهدي للطائفة العلويّة منصب إفتاء في بيروت، وليس هناك من علويّ مسجّل في بيروت، وإن وُجد فهو ليس بحاجة إلى مفتٍ كي يدبّر أموره الشرعية والدينية في العاصمة التي تحمّلت ما لم تتحمّله مدينة أخرى من كلّ طويل وقصير، ثمّ يغازل المسيحيين بإمكانية توقيع المراسيم التطبيقية المتعلّقة بمحافظة كسروان وجبيل، تلك المحافظة التي تمّ اختراعها لإرضاء البعض.
يطلّ اليوم الرئيس نجيب ميقاتي وكأنّه لم يبقَ في وعاء الفاكهة والحلوى الخاصّ به سوى حبّة كبيرة واحدة لا يمكن تقديمها إلا بقصّها وتقطيعها، وعند ذلك لا بدّ من توزيعها على الجميع.
تحت شعار “سامحني يا أبتاه” دعا إلى جلسة وزارية في الديمان اليوم الثلاثاء في المركز الصيفي لبطريرك الموارنة في لبنان تحت عنوان “التشاور في المسائل الوطنية”، وهو عنوان لم أفهم منه شيئاً ودفعني إلى القول كما يُقال دائماً وأبداً للرئيس نجيب: “ما هذا القرار العجيب؟”.
يمكن للرئيس نجيب ميقاتي أن يدعو إلى لقاء وزاري في الديمان تضامناً مع البطريرك، وهو ما لم يفعله عندما دعا سيّد بكركي إلى الحياد الكبير، بل صعد إليه منتقداً طرحه، وعلى المنبر صرّح بكلام لم يُفهم منه ما يريد. أمّا الدعوة إلى جلسة حكومية رسمية في الديمان هي اعتداء على مقام رئاسة الحكومة بما يمثّل طائفياً ووطنياً ودستورياً في هذا الظرف العصيب. للحكومة مقرّ رسمي تجتمع فيه، وهي ليست مخوّلة أن تجتمع في دار الفتوى ولا في البطريركية ولا في مشيخة العقل ولا في الحسينية ولا حتى في مطعم “أمّ شريف”.

لقد أُعطي البطريرك مجد لبنان. هذه مقولة نفتخر بها نحن اللبنانيين بكلّ مذاهبنا وطوائفنا، وعند كلّ موقف وطني له نصعد إليه كالحجّاج المؤمنين. لكنّ البطريرك لم يُعطَ رئاسة مجلس الوزراء ولا رئاسة الجمهورية ولا رئاسة مجلس النواب، ولا أيّ مؤسّسة رسمية دستورية تعنى بإدارة الدولة والناس وشؤونهم، فلبنان الذي أُعطي له هو لبنان الرسالة وليس لبنان نجيب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى