.

الحزب يتحسّس أجواء 1559 جديدة

جوزفين ديب في جريدة “نداء الوطن”

– الأوّل: أن تشكّل هذه الحادثة مدخلاً إلى حلّ رئاسي يقود مرحلة بناء المؤسّسات لنهوض البلاد من جهة، ولحماية “المقاومة”، من وجهة نظرالحزب، في تسوية وطنية يقودها الرئيس المقبل، من جهة ثانية.

– الثاني: أن تدفع هذه الحادثة كلّ فريق إلى أن يتمسّك بمواقفه، لا بل أن يزداد تمسّكه بها أكثر من أيّ وقت مضى.

بعيداً عن المواقف المعلنة أو المسرّبة من أيّ جهة كانت، يدرك جميع الأفرقاء أنّهم في ورطة، وأنّ أيّ خيار داخلي لحلّ الأزمة غير متوفّر. ما هو متوفّر اليوم هو شراء الوقت للبناء على أيّ متغيّرات إقليمية مقبلة ليست ناضجة بعد. وفي الانتظار يطرح الحزب مقاربته المطابقة لخطاب أمينه العامّ الذي قال إنّه يريد رئيساً “لا يطعن المقاومة في ظهرها”. وتُروَّج في أوساط الحزب “حكاية” مفادها أنّ المرحلة الحالية تشبه مرحلة القرار 1559 التي حيكت فيها “مؤامرة” على “سلاح المقاومة”.

بعد صدور القرار 1559 سقط البلد في مسلسل اغتيالات بدأت باغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل أن تتوالى اغتيالات متفرّقة، منها سياسية ومنها تقنيّة لعرقلة مسار التحقيق في الجريمة

وعليه فإنّ أيّ حوار داخلي لا يقدّم ولا يؤخّر في الاستحقاق الرئاسي لأنّ المشكلة ليست داخلية فقط، بل إنّ الحلّ مرتبط بترتيب الملفّات الإقليمية وعلى رأسها مصير سلاح الحزب الذي يريد ضمانات بأنّ أيّ تسوية ستحفظ له دوره “الشرعي” وأن لا يُعاد الـ1559 إلى الطاولة في العهد الرئاسي الجديد.

فهل تجوز هذه المماثلة بين يومنا هذا وبين فترة عامَي 2004 و2005؟

الحزب : لا للعودة إلى ما قبل 2005

بعد صدور القرار 1559 سقط البلد في مسلسل اغتيالات بدأت باغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل أن تتوالى اغتيالات متفرّقة، منها سياسية ومنها تقنيّة لعرقلة مسار التحقيق في الجريمة. خرج “الراعي السوري” من لبنان مع معظم نفوذه، وسقط “الجبل” المدعوم خليجياً ودولياً في حفرة 14 شباط. فتربّع الحزب على كرسي “الراعي”، وحيداً بلا منازع، طوال سنوات ما بعد الـ2005، وصولاً إلى ثورة تشرين 2019 وانتخابات 2022، وتراجعت “سيطرته” الكاملة على السلطة مع خروج الرئيس ميشال عون من بعبدا في نهاية 2023.

يقرأ الحزب اليوم في تطوّر الأحداث، وتقاطعها خارجياً وداخلياً، تماثلاً مع الأحداث التي رافقت القرار الدولي الشهير. ويرفض انطلاقاً من مقاربته الدخول في أيّ تسوية على حساب “سلاحه” ظنّاً منه أنّ كلّ ما يُحاك خارجياً وداخلياً يهدف إلى وضع سلاحه على الطاولة. فأتى تمسّكه بمرشّحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي لم يعد يملك ترشيحه، بل تحوّل هذا الترشيح إلى حساب أكبر منه بكثير بعدما أصبح “ترشيح المحور”.

لتأكيد موقفه هذا، جاءت حادثة الكحّالة لتعطي الحزب مادّة جديدة يراكم عليها تمثّلت في “استثمار القوى المعادية له الحادثة محليّاً ومحاولة تقديم الحزب وسلاحه على أنّه خطر على البيئة المسيحية خصوصاً، واللبنانية عموماً”.

هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ ردّ فعل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في تغريدته بعد الحادثة لم تنزل برداً وسلاماً على أوساط الحزب. فمن يعرف الحزب يعرف أنّه لا يتقبّل “المنّة في الموت”. ففي حين سقط له مقاتل في حادثة شديدة الحساسيّة في منطقة لها رمزيّتها المسيحية، ذهب باسيل إلى استخدامها في معركته الرئاسية مع الحزب، إذ أوحى بأنّ “التفاهم معه في الرئاسة ينقذ الحزب من السقوط في وحل الاشتباكات الداخلية ويؤمّن ظهر المقاومة”. بغضّ النظر عن صوابيّة موقف باسيل، لكنّ الحزب لم يتقبّل الأمر “بتواضع الخاسرين”، لأنّه لا يرى نفسه في هذا الموقع. لا بل اتّجه مقرّبوه إلى تأكيد تمسّكه بسليمان فرنجية، وتأكيد رفض الحزب إعطاء باسيل هديّة شراء الوقت حتى انتهاء ولاية قائد الجيش جوزف عون للتخلّص منه مرشّحاً رئاسياً.

قالها له رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد قبل الكحّالة، وما تزال هي هي بعد الكحّالة: “جاهزون للتسويات، لكن لا يحشرنا أحد في الزاوية التي يريدها”.

أمّا في ملفّ السلاح، فلا يرى الحزب هذا التوقيت مناسباً للدخول في تسوية ما دام الإقليم يرتّب أوراقه مصحوباً بخضّات قد تهدّد استمرار اتفاق بكين.

لا تبدو “ملامح المؤامرة” التي يراها الحزب واقعية أكثر من واقعية الانقلاب على التسوية الإقليمية بين إيران والسعودية

سلاح الحزب لم يكن مستهدفاً

تقارب مصادر معارِضة للحزب اليوم مسألة السلاح من وجهة نظر مختلفة لا بل مناقضة لقراءته. فيوم كُتب القرار الدولي 1559 كان المستهدف هو الرئيس السوري بشار الأسد أولاً، بدليل المسعى الفرنسي الإيراني الذي حضر ورتّب بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري التحالف الرباعي وخريطة الانتخابات النيابية يومها.

في حينه استفاد الحزب من هذه التقاطعات لتهيئة الأرضية لأن يتحوّل إلى راعٍ للحياة السياسية اللبنانية. ويوم نجحت إيران والحزب في فرض رعايتهما على “العواصم الخمس”، اشتدّ الصراع الدولي وسقطت كلّ محاولات التسويات إلى اليوم.

دخلت الصين على خطّ الإعداد لتسويات ونجحت في إنضاج اتفاق سعودي إيراني سرعان ما اهتزّ بفعل أكثر من عامل:

– أوّلاً: رفع سقف مطالب الحوثي في اليمن.

– ثانياً: خرق التسوية العراقية بترسيخ فائض قوّة الحشد الشعبي.

– ثالثاً: تراجع سوريا عن تعهّداتها.

– رابعاً: تمسّك الحزب في لبنان بشروطه.

بالتالي لا تبدو “ملامح المؤامرة” التي يراها الحزب واقعية أكثر من واقعية الانقلاب على التسوية الإقليمية بين إيران والسعودية. فهل تعالج بكين خلل اتفاقها؟

راهناً يبدو الجميع في منتصف الطريق، ولا أرضيّة لتسويات شاملة ولا إرادة لتصعيد شامل:

– رحّبت إيران بجهود قطر من أجل تبادل الأسرى والمليارات مع الأميركيين.

– سعي إيران والمملكة العربية السعودية إلى المحافظة على التمثيل الدبلوماسي، وأُعلن أمس حصول زيارة رئاسية إيرانية قريبة للرياض.

إقرأ أيضاً: هل فقد الحزب مظلّته المسيحيّة؟

هل ينجو لبنان من أزمة الإقليم أو نذهب إلى مواجهة مفتوحة لا حلّ رئاسياً قريباً فيها؟

قد لا تصعب الإجابة على هذا السؤال مع احتمال أن تُحدث قطر خرقاً تعمل عليه في الشهرين المقبلين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى