“المقسطون على منابر من نور يوم القيامة “
لمناسبة اليوم العالمي للمتقاعدين في ٢١ آب Senior Citizens Day،وفي ضوء ما يشهده لبنان من تكرار لاساليب ممنهجة ومنتظمة في ارتكاب جرائم موصوفة بحق جميع متقاعدي القطاع العام، بمن فيهم عوائل الشهداء والشهداء الأحياء منهم، فإنه لابد من التحذير من مخاطر التغاضي عن هذا النهج ، مذكّرين بما هو متعارف عليه في فقه التشريع وفي فلسفة القانون، عالمياً وعلى امتداد العصور،من ان المعاش التقاعدي هو “عبارة عن مكافأة نهاية الخدمة من قبيل اعتراف المجتمع بجمائل خدمات المتقاعد خلال عقودٍ من حياته”، من خلال تخصيصه بالقدر الكافي من حقوقه المالية متوجبة الإداء كاملةً، والتي من شأنها تخفيف أعباء الحياة عنه وعن أسرته أخذاً بالإعتبار لكونه أصبح دون أي موردٍ يسد حاجاته بعد التقاعد من جهة أولى، والتزاماً، من جهة ثانية،بما فرضته المادة ٣٠ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من عدم جواز قيام الدول بإهدار أي من حقوقه كإنسان عموماً وحقوقه كمتقاعد على وجه التحديد ،سيما منها “الحق في مستوى معيشي يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته،مع سائر حاجاته على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الصحية وصعيد الخدمات الإجتماعية الضرورية”( المادة ٢٥ من الاعلان العالمي لحقوق الانسان المكرسة بالفقرة ب من مقدمة الدستور والمجسّدة وجوبا بقوانيننا الوطنية).
كما وأنه يقتضي التنبيه،تلازما، بأن المخالفات المشهودة لمبدأ المساواة الذي يتقدم ما عداه من المبادئ الانسانية السامية،ان بمعرض ما هو متعمد من تمييز بين فئات المتقاعدين عموماً، أم من خلال التمييز الاستنسابي ،المتعمد كذلك، بين حقوق المتقاعد ومثيله في الخدمة الفعلية بما يتعارض مع أحكام قوانيننا الوطنية النافذة والناظمة لهذه الحقوق، وفي مجافاة مقصودة لموجبات عقود التطوع وإضبارات التقاعد التي لا يعتد فيها بشرعية اي تعديلٍ مسقط للحقوق و/او مرجح لمصلحة فريق على آخر من المتعاقدين،والتي لا مشروعية، بالتالي، لأية نصوصٍ تشرع هذه الارتكابات المجرّمة، عملاً بقاعدة عدم جواز رجعية القوانين في كل ما من شأنه انتهاك معايير العدالة الاجتماعية ومخالفة موجبات صيانة مقتضيات الانتظام العام…
من جهة ثانية، وفيما لو أن للإنسان في لبنان قيمة، وللعدالة وحكم القانون اي اعتبار،لكان من اكثر واجبات سلطة الرقابة التشريعية الحاحا تشكيل لجنة تحقيق برلمانية مدعّمة بخبراء “اكتواريين “،مهمتها اقتفاء أثر أموال المحسومات التقاعدية على امتداد العقود،تقصياً وتحققاً وتدقيقاً،سواء بالنسبة الى مجاميعها الفعلية أم لجهة ” الارباح الفائتة” التي كانت متوقعة فيما لو طبقت آليات توظيفها عبر “الصناديق الاستثمارية” وفقا للقوانين النافذة، ناهيكم بالطبع عن مهمة ردع اجراءات الاستقواء والتنمر الحاطة بالكرامة الانسانية الممارسة من قبل المعنيين في السلطة التنفيذية على هذه الفئة الشريفة من المواطنين، سيما من خلال فرسان الموازنات المتتالية الفاقدة لأية مشروعية légitimité ولأية شرعية légalité بما لا يحتمل اي جدال او شكوك او تأويل…
استطراداً وعملاً بالحكمة الفرنسية القائلة بأن ” أبرع حيل الشيطان ايهامنا بأنه غير موجود”, ” la plus grande ruse du diable, c’est de faire croire qu’il n’existe plus”
فانه لابد كذلك من تحذير “أبالسة الوسوسة” الساعين الى الغاء نظام الوظيفة العامة القائم، لغرض استبداله “بنظام التعاقد الحر” الموحى به من الخارج، منبّهين الى محاذير ما قد ينجم عن هذا المخطط الجهنّمي من مخاطر على أمننا الاجتماعي والقومي معا، سيما وأننا في بلد لطالما تغافل حكامه ، القاسطين غير المسؤولين، عن إقامة أي نظام لرعاية وحماية الشيخوخة فيه
بيروت في ٢١ اوغست اب ٢٠٢٣.
البروفسور فضل ضاهر،
مفوض الرصد والدراسات والتربية والتطوير في الهيئة الوطنية لحقوق الانسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب