.

لا “فصل سابع” جنوباً… قواعد اللعبة لم تتغيّر

كتبت دوللي بشعلاني في جريدة “الديار”

تستنفر الولايات المتحدة الأميركية عشية اتخاذ مجلس الأمن الدولي في نيويورك قرار التجديد للقوّة الدولية العاملة في جنوب لبنان، من أجل تمرير القرار تحت “الفصل السابع” الذي يفرض القوة لإحلال السلام، بدلاً من “الفصل السادس” الذي يُحافظ على الأمن والسلم الدوليين بهدوء وسلام.. ويحطّ كبير المستشارين لشؤون أمن الطاقة، والذي لعب دور الوسيط الأميركي خلال المفاوضات غير المباشرة في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل” آموس هوكشتاين اليوم في بيروت في توقيت حسّاس للغاية. فالوسيط الأميركي الذي كان ينوي حضور حفل إطلاق عمل منصة الحفر “ترانس أوشن بارنتس” في البلوك 9، قد أرجأ زيارته الى اليوم الأربعاء لمواكبة قرار التجديد لليونيفيل في لبنان، ولبحث مسألة “ترسيم” الحدود البريّة، التي يرفضها لبنان ويُطالب بإظهار الحدود المرسّمة منذ العام 1923.

كما أعلن الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله عشية هذا القرار الذي يستهدف تحويله الى “الفصل السابع” الحزب وسلاحه بشكل مباشر، بأنّ “قواعد الإشتباك لن تتغيّر”، وأنّ “أي تعديل في مهام “اليونيفيل” سيبقى حِبراً على ورق”. فهل سيُدخل ذلك لبنان في مواجهة أو حرب جديدة، خصوصاً وأنّ “إسرائيل” قامت بخطوة إستباقية، وأبلغت الأمم المتحدة بتزايد احتمال حصول تصعيد عنيف على حدود لبنان؟!

رأت أوساط ديبلوماسية عليمة بأن الولايات المتحدة حاولت رفع السقف وسط عدم الإعتراض اللبناني في العام الماضي. فالقرار 2650 الذي اتُخذ عند التجديد للقوة الدولية أعطى حرية حركة “اليونيفيل” من دون طلب أي إذن مسبق ومن دون التنسيق مع الحكومة اللبنانية الممثلة بالجيش اللبناني، دون أن يُثير لبنان يومها أي مشكلة. الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تتمادى أكثر هذه السنة مع المخاوف التي تبديها حليفتها “إسرائيل” عند الحدود اللبنانية الجنوبية، رغم أنّها هي التي تعتدي على السيادة اللبنانية هناك.. وتقترح بموافقة بريطانيا وفرنسا المقدّمة لمسودة المشروع اعتماد الفصل السابع الذي يفرض تنفيذ القرار بالقوة.

ولأنّ الحكومة اللبنانية رفضت مسودة المشروع في صيغتها التي تتضمّن تحويل القرار 1701 من الفصل السادس الى السابع، على ما أوضحت الاوساط، ومن ثمّ أعلن الحزب على لسان السيّد نصرالله أنّه لن يقبل بأي قرار لا تُوافق عليه الحكومة اللبنانية، وبأنّ التعديل سيبقى حِبراً على ورق، على غرار ما حصل في القرار السابق، سيما وأنّه لم يجرِ تطبيقه فعلياً على الأرض، فإنّ القرار لن يمرّ، على ما تتوقّع الاوساط، في جلسة التجديد لليونيفيل. فقد تقرّر، على ما كشفت الاوساط، العودة الى صيغة القرار السابق، لجهة عدم تنسيق “اليونيفيل” مع الجيش، مع نجاح لبنان في تغيير عبارة “القسم الشمالي من بلدة الغجر” الى “خراج بلدة الماري”.

أمّا أسباب عدم تمرير القرار المدعوم من الدول الغربية، فتفنّدها الأوساط بالنقاط الآتية:

1- المشاورات والإتصالات التي يجريها لبنان، عبر البعثة اللبنانية الدائمة في الأمم المتحدة منذ حزيران الماضي في أروقة الأمم المتحدة، ومن خلال اللقاءات والمحادثات التي يجريها وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب الموجود في نيويورك منذ أيّام مع الدول الصديقة التي يُمكنها مساعدة لبنان. وكان أعلن بو حبيب صراحة رفض لبنان لما يُخطّط لتمريره في قرار التجديد لليونيفيل، الذي يُفترض أن يكون قراراً عادياً روتينياً يرتكز على بنود القرار 1701، وأيّد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي موقفه هذا.

2- الضغوطات الكثيرة التي تُمارس من بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن مع وضدّ تمرير هذا القرار.

3- يفترض الفصل السابع “تغيير قواعد الإشتباك”، ما ينسف القرار 1701 برمّته. وهذا يتطلّب موافقة مجلس الأمن الدولي، ولا سيما الدول الخمس الدائمة العضوية فيه أي الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا والصين. ولهذا فحتى وإن جرى عرضه على مجلس الأمن، فإنّ كلّاً من الصين وروسيا لن تُوافقا على تعديل مهام “اليونيفيل”، وتغيير قواعد الإشتباك.

4- عندما يتمّ نسف القرار 1701، فإنّ مهمّة “اليونيفيل” الموسّعة والتي تتمتّع باستخدام القوّة، يُمكن أن تمتدّ الى كامل الحدود والأراضي اللبنانية، فتطال عندها، فضلاً عن الحدود الجنوبية، تلك الشمالية الى جانب الداخل اللبناني، والمخيمات الفلسطينية التي تُعتبر بؤراً للسلاح غير الشرعي. وهذا أمر خطير إذ من شأنه تحويلها من قوّات لحفظ السلام الى “قوّات ردع”، ما يجعلها تتعرّض للمواجهة والإشتباكات مع الأهالي أو السلطة في عدد من المناطق، وهذا ما لا تريده أي دولة لديها كتيبة جنود في القوّة الدولية العاملة في جنوب لبنان.

وفي الوقت نفسه، تحدّثت الأوساط نفسها عن أنّ مثل هذا الأمر، قد يعني “تدويل الأزمة اللبنانية” ويستلزم مفاوضات طويلة، إذ من شأنه وضع لبنان تحت رعاية دول الخارج، عبر سيطرة القوّات الدولية أمنياً وعسكرياً على الحدود والمناطق اللبنانية. فهذه الأخيرة يُمكنها التحرّك والقيام بدورياتها بشكل مستقلّ، من دون الإعلان عنها أو التنسيق مع الجيش اللبناني، مع إمكانية استخدام القوّة عندما يتطلّب الأمر ذلك.

من هنا، خلصت الاوساط الى القول بأنّ “تغيير قواعد الإشتباك” التي تأتي نتيجة تطبيق الفصل السابع، ليس أمراً سهلاً، كما أنّه ليس مقبولاً من قبل دول عدّة في مجلس الأمن. لهذا سيُقرّر الجميع إبقاء الوضع على ما هو عليه، والعودة الى القرار السابق وعدم التعرّض الى حركة “اليونيفيل” ودورياتها والحفاظ على سلامة عناصرها وعناصر الجيش اللبناني. أمّا في حال لم تصدق التوقّعات، وجرى إقرار الفصل السابع في مجلس الأمن، فإنّ لا أحد يُمكنه إرغام الحكومة اللبنانية على تطبيقه، لا سيما إذا رأت أنّه يمسّ أمنها وأمن مواطنيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى