تركيا ورقصة البهلوان واستدارة نحو دمشق
*******
كثرت تسريبات الأخبار، التي تتحدث عن اتفاق شبه منجز، لانسحاب تركيا من ادلب، والمناطق التي تحتلها، سواء يشكل مباشر، أو من خلال المجموعات الإرهابية المسلحة، التي تدعمها، في ارياف حلب وحماه واللاذقية.
ومع غياب أي موقف رسمي من دمشق، أو أنقرة، يؤكد أو ينفي هذه التسريبات، لكن ثمة مؤشرات عديدة، من مسؤولين أتراك كبار، ومن الإعلام الموالي لأردوغان، يؤكد وجود تغير واضح في المواقف التركية، ويشي بوجود شيء ما، يجري ترتيبه وراء الكواليس.
فوزير الدفاع التركي “يشار غولر” قال إن بلاده تدرس، إمكانية سحب قواتها من سورية، بشرط أن يتم ضمان بيئة آمنة، وأن تكون الحدود التركية آمنة.
أما زعيم حزب الحركة القومية التركي “دولت بهجلي” القومي المتطرف، وشريك أردوغان في الحكم، والذي يعتبر حلب وكل الشمال السوري، جزءا من تركيا، فقد دعا لأول مرة، الرئيس أردوغان، إلى تعاون عسكري مع الرئيس بشار الأسد، للقضاء على “تهديد المسلحين الأكراد “قسد” في سوريا”.
كما قالت صحيفة “ايدينليك” المقربة من السلطات التركية، قبل أيام، أن أردوغان والأسد، قد يجتمعان في موسكو، في المستقبل القريب، بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
أما أقوى المؤشرات، فقد جاءت على لسان مصدر إعلامي، مقرب من وزارة الخارجية التركية، نقلتها قناة (TRT) عربي الرسمية التركية، وقدم فيها تفاصيل مهمة، عن مسودة الاتفاق، الذي يجري الحديث عنه، برعاية روسية، للانسحاب التركي من ادلب وجوارها، وحتى عن مداها الزمني، وهي المعلومات، التي أكدتها مصادر مقربة من قسد.
ويقول المصدر التركي، أن الحكومة التركية، ستتخذ عدة إجراءات اقتصادية ولوجستية، منها السماح بالتعامل بالليرة السورية، وليس التركية، في المناطق التي تحتلها، والشروع بوضع برنامج لانسحاب كلي، من المناطق السورية، برعاية روسية، تكفل بأن تسيطر وحدات الجيش السوري، على الحدود السورية التركية، وتمنع القوات الكردية، من القيام بأي أعمال ضد تركيا.
وتحدث المصدر التركي، عن أسابيع قليلة، ستشهد انفراجات في العلاقات السورية التركية، تتوج بانسحاب تركيا من ادلب ومحيطها، في فترة لا تتجاوز بين 3 – 4 أشهر.
ويكشف المصدر، عن وجود مشكلة كبيرة عند أردوغان، تستلزم إيجاد حل لها، لإنجاز الاتفاق، وهي المجموعات الإرهابية المسلحة، الموجودة برعاية القوات التركية، في المناطق التي تحتلها، وتمتد حتى في داخل تركيا، والمكونة من المجموعات الإرهابية، التي أحضرتها تركيا، في بداية العدوان على سورية، والمجموعات التي رفضت التسوية، مع الحكومة السورية، عند تحريرها المناطق التي كانوا يسيطرون عليها، وفضلوا الانتقال إلى إدلب، وأصبحوا برعاية القوات التركية، وهؤلاء لا يستطيعون العودة إلى كنف الدولة السورية، بسبب الجرائم الإرهابية، وعمليات القتل التي تورطوا بها، والتي لا تدخل في إطار أي قانون عفو، يصدره الرئيس الأسد، عن المعارضين والمسلحين، غير المتورطين في عمليات قتل، كأحد بنود الاتفاق مع تركيا، لأسباب قانونية.
ويقول المصدر التركي، إن أردوغان سيعقد لقاء قمة، مع الرئيس الروسي فلايدميير بوتين، لمحاولة إيجاد حل لهذه المشكلة، خاصة وأن نسبة كبيرة من هذه التنظيمات الإرهابية تعود لأصول روسية، ومجموعات أخرى من أصول صينية (الإيغور) وهؤلاء أحضرتهم تركيا مع أسرهم، وأسكنتهم في منازل المهجرين السوريين، وخاصة في المناطق المحاذية، للطريق الاستراتيجي (M4) الواصل بين حلب واللاذقية، في خطة كانت تستهدف، إقامة حزام تركي، تضمن من حلاله ضم هذه المناطق إليها.
ومع كل هذه التسريبات، وغياب أي تأكيد سوري أو تركي لمدى صحتها، لكن كل الوقائع تؤكد، أن لا دخان بدون نار، خاصة وأن أردوغان، المعروف عنه أسلوبه الميكافيلي في السياسة، وخاصة بما يتعلق بمصالحه الشخصية، حتى قبل مصالح بلاده، يؤكد إمكانية استدارته، دورة كاملة، لفتح بوابة العلاقات مع سورية، وهو ما قام به، في علاقاته مع السعودية ومصر والإمارات.
هذا يؤكد، أن ثمة تغيرات كبيرة وهامة، أصبحت تضغط على أردوغان وتركيا، لتغيير سياساتها في سورية، والانسحاب من المناطق التي تحتلها، كشرط سوري، لتطبيع العلاقات مع تركيا، فما هي هذه الأسباب:
تحول ادلب من فرصة لتحقيق أهداف أردوغان في سورية، وخاصة في العملية السياسية، لتصبح بما تحتويه من عشرات الألوف من الإرهابيين، الممتدين حتى إلى داخل تركيا، إلى مشكلة تركية حقيقية.
انتهاء الاستثمار بورقة اللاجئين السوريين، خاصة بعد انخفاض قيمة المبالغ، والمساعدات التي كانت مخصصة لاحتوائهم، وتحولهم إلى مشكلة داخلية تركية، انعكست في صناديق الاقتراع، لغير صالح أردوغان وحزبه، بحسب ما أظهرته، نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة.
الانتخابات المحلية، التي تنوي قوات سورية الديمقراطية “قسد” تنظيمها، في المناطق التي تسيطر عليها، بمساعدة القوات الأمريكية، شرق الفرات في سورية، والتي ترى فيها تركيا خطاً أحمراً، وتلتقي فيه مع القيادة السورية، وإن كان من منظور مختلف.
رؤية تركيا لتسارع التطبيع والتقارب العربي والأوروبي مع دمشق، بضوء أخضر أمريكي، وهو ما يجعل تركيا وحيدة، ترفع سيف العداء مع دمشق.
الكشف عن تواصل سوري أمريكي، قد ينتج عنه التوافق، على أسس لتحسين العلاقات بين دمشق وواشنطن، مما يزيد من عزلة تركيا، ويفاقم من الصعوبات التي تواجهها في سورية.
وجود تفاهمات عربية روسية غربية، لحل الأزمة السورية، واجتثاث الإرهاب، وحل مشكلة اللاجئين، بعدما أصبحت مشكلة، تؤثر على الجميع.
تأكد أنقرة بأن تحسن علاقاتها مع الدول العربية، التي تسعى لتطبيع علاقاتها مع دمشق، لا يمكن أن يتم، بوجود عداء تركي لسورية، وبقاء قواتها محتلة، لأجزاء من أراضيها.
إدراك أنقرة، لأهمية النافذة السورية، للاقتصاد التركي، واستحالة تعافيه، بدون فتح هذه النافذة.
وقوف حالة العداء التركية لسورية، كأحد نقاط الخلاف الرئيسية، مع كل من روسيا وإيران، وحتى الصين.
الفشل الأمريكي الإسرائيلي، حلفاء تركيا الأردوغانية، في تحقيق أي من أهداف العدوان على غزة، وهو ما يزيد، من تراجع دور ومكانة تركيا، في ملفات المنطقة، رغم استدارة أردوغان، بعد تأكد الفشل، ورفعه الصوت بوجه حكومة نتنياهو، لكن علاقاته مع الكميان الصهيوني، لم يستطع تغطيتها.
كل هذه الاسباب، تؤكد وجود المبررات المنطقية، لإحداث تحول جذري، في الموقف التركي، ومن حالة عداء أنقرة لدمشق، بعدما تأكد أردوغان، من فشل كل رهاناته ومشاريعه البائسة، ولم يبق أمامه، سوى فتح النافذة السورية، التي أصبحت شرطا لابد منه، لحل كل الاستعصاءات التركية، وبالتالي ليس مستبعداً، أن يكرر أردوغان، ما قام به، مع السعودية والإمارات ومصر، بابتلاع لسانه، عن كل المواقف العدائية، التي أظهرها تجاه سورية، وتجرع مرارة هزيمة مشاريعه، وحلمه بالصلاة في المسجد الأموي غازياً، للتقليل ما أمكن من خسائره، وهزائم مشاريعه، وبالتأكيد موسكو وطهران، جاهزتان للمساعدة في إتمام المهمة.
******
نشر الموضوع في صحيفة “لا” اليمنية..
أحمد رفعت يوسف