اقلام

حديث المباهلة بين اهل البيت عليهم السلام واهل نجران، بقلم توفيق حسن علوية

حديث المباهلة بين اهل البيت عليهم السلام واهل نجران
بقلم
توفيق حسن علوية
كاتب وباحث من لبنان

يقول الله المتعال : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ▪︎الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ▪︎ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}.
ففي السنة العاشرة في مثل هذه الايام من ذي الحجة ، قام وفد من مسيحي نجران لمحاورة النبي صلى الله عليه واله وسلم حول الدين الصحيح والمحرف ، واحتجوا بمعجزة ولادة عيسى بلا اب ، واجابهم الوحي عبر النبي صلى الله عليه واله وسلم بان مثل عيسى عليه السلام الذي تولد بلا اب كمثل ادم عليه السلام الذي لم يولد من رحم وبلا ابوين !! فعيسى ولد من رحم بينما ادم لم يولد وانما تمت خلقته من تراب بلا والدين !!
وعندما وصل الحوار الى طريق مسدود ، نزلت اية المباهلة ، فقراها صلى الله عليه واله وسلم عليهم ، فلما دعاهم الى المباهلة ، استنظروه الى صبيحة غد من يومهم ذلك !! ووافق الوفد المسيحي في اليوم التالي على الحضور للمباهلة اي ان يدعو كل طرف بنزول اللعنة والعذاب على الطرف الاخر ، فاذا نزل العذاب على طرف يكون الطرف الاخر هو الصادق والمحق ، ومن نزل عليه العذاب هو الكاذب والمبطل !! وفي اليوم التالي قالوا لبعضهم : ان غدا بولده وأهله فاحذروا مباهلته، وإن غدا بأصحابه فباهلوه فإنه على غير شئ.
فلما كان الغد جاء النبي صلى الله عليه وآله آخذا بيدي علي بن أبي طالب عليه السلام والحسن عليه السلام والحسين عليه السلام بين يديه يمشيان وفاطمة عليها السلام تمشي خلفه، وخرج النصارى يتقدمهم أسقفهم. فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أقبل بمن معه فسأل عنهم فقيل له: هذا ابن عمه وزوج ابنته وأحب الخلق إليه، وهذان ابنا بنته من علي وهذه المراة بنته فاطمة أعز الناس عليه وأقربهم إلى قلبه ، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله فجثا على ركبتيه. قال أبو حارثة الأسقف جثا والله كما جثا الأنبياء للمباهلة. فرجع ولم يقدم على المباهلة، فقال السيد: اذن يا أبا حارثة للمباهلة! فقال:لا. إني لأرى رجلا جريئا على المباهلة وأنا أخاف أن يكون صادقا ولئن كان صادقا لم يحل والله علينا حول وفي الدنيا نصراني يطعم الماء. فقال الأسقف: يا أبا القاسم! إنا لا نباهلك ولكن نصالحك فصالحنا على ما ينهض به، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله على امور ذكرها اهل السيرة بالتفصيل .
وروي أن الأسقف قال لهم: إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم
القيامة .
ان ايات المباهلة لها مداليل عديدة ، ومنها :
اولا : انها تدل على صدق النبوة ، اذ ان النبي صلى الله عليه واله وسلم لو لم يكن على يقين من كونه مستجاب الدعوة لما اقدم على ذلك !! وذلك لانه حتى لو لم يستجاب دعاء النصارى فإن نفس عدم استجابة دعاء النبي صلى الله عليه واله وسلم – والعياذ بالله – هو بحد نفسه انتصار للخصوم ، وضربة قاصمة لمصداقية النبوة !!
ثانيا : انها ابطلت المقولة الجاهلية القائلة : ان اولاد البنات لا ينسبون الى الاجداد للامهات !! فقد اثبتت ان اولاد الامهات هم { ابنائنا وابنائكم } .
ثالثا : اثبتت ان للمرأة دورا خطيرا في اهم منعطفات الحياة ، فمشاركة الزهراء عليها السلام اثبت ان للمرأة الدور العظيم !!
رابعا : اثبتت ان الامام علي عليه السلام هو نفس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم { وانفسنا وانفسكم } .
خامسا : اثبتت أن اهل الكساء الخمسة عليهم السلام هم افضل الناس ، ولو كان هناك من هو افصل منهم لاتى بهم النبي صلى الله عليه واله وسلم للمباهلة !!
سادسا : اثبتت ان اصحاب الكساء الخمسة اي محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام هم جميعا اصحاب الدعوة المستجابة وليس خصوص الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم ، وهذا يعني انهم جميعا لهم ارتباط وثيق بالسماء !!
سابعا : اثبتت ان الحوار امر مهم بشرط جدوائيته ، فاذا انسد طريق الحوار عبر العناد فلا بد من طرق اخرى لكشف الحقائق وعدم السماح بتغطيتها.
ثامنا : اثبتت ان الحوار امر مطلوب ومرغوب ومحبوب حتى لو كنت قادرا على ازالة خصمك وتدميره بلا حوار جراء قوتك ، فالنبي صلى الله عليه واله وسلم بالرغم من كونه قادرا على قتل خصومه الا ان انه تسامح معهم وحاورهم ، وبالنهاية سمح لهم بأن يتساووا معه في استخدام نفس الطريقة لمعالجة نتيجة الحوار اي المباهلة !!
وهناك امور اخرى اثبتتها لا مجال للاستفصال فيعل هيهنا في هذه الخطبة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى