كتب ناجي أمّهز من أيام عاشوراء في جبل لبنان
في اليوم الثاني من شهر محرم الحرام، كما هو الحال دائمًا، أشارك في المجالس العاشورائية اليومية. هذه المرة أكتب لكم من كفر زبونا، حيث يوجد مسجد الصديقة فاطمة الزهراء (ع) الصغير في حجمه والكبير بإيمانه واحتضانه للجميع، ومحافظته على شعائره على مر الزمن.
عندما تزور هذه القرى وتلتقي بأهلها الطيبين وتسمع منهم عن حبهم العميق للإمام الحسين عليه السلام، تشعر أن الإمام الحسين هو الذي يحب هؤلاء الذين بقوا محافظين على خط الولاية ونهج الإمام علي عليه السلام في التعايش الإنساني بكافة معانيه وقيمه الإنسانية.
فالشيعي في بلاد جبيل هو نسخة طبيعية عن المشاركة والألفة الحقيقية مع جاره وأخيه المسيحي في الوطن. في باحة المسجد، تجد بعض الشباب المهذبين واللطيفين باستقبالك، وخيمة صغيرة اجتمعت فيها بعض النساء لتقديم ما تيسر من معجنات وعصائر وشربة ماء تُبرد عطشنا. مع كل شربة ماء، نلعن من ظلم محمد وآل محمد الذين قتلوا الحسين وعائلته وأطفاله وأصدقائه عطاشى.
تجلس خلف الجامع على شرفة صغيرة، يسرح نظرك فيها على جبال ووديان كساها الله اللون الأخضر، الذي يرسل الهواء العليل ليداعب وجهك. في فسحة النظر، تجد الكنائس المنتشرة حول المسجد وأيقونات السيدة مريم العذراء، فتذكرك بأن يسوع قد بُكيت عليه مريم أمامه، بينما الحسين استُشهد يتيمًا، وكانت السيدة زينب أمه وأخته وحزنه.
ولا يوجد مشهد يطابق مشهد يسوع على الصليب ومنظره المؤلم للغاية، حيث وجع مريم لا يوصف لأنها تعجز عن مساعدته وإنقاذه، لكنها واقفة بعزم. إلا أن مشهد العقيلة زينب عليها السلام جسّد نفس اللوحة العظيمة، وكما تجسّد مشهد السيدة مريم عليه السلام اليوم لدى أكثر من ثلاثة مليارات مسيحي حول العالم، فإن مشهد العقيلة زينب عليها السلام حتمًا سيكون له أيضًا تأثير على 3 مليارات مسلم يحملون كل الحب لكل إنسان، بعيدًا عن التطرف وتكفير الآخرين.
شارك في المجلس الحسيني في القرية حضور من أهلها تقدمهم مسؤول قطاع جبيل وكسروان في حزب الله، سماحة الشيخ حسين شمص، والمسؤول الثقافي في قطاع جبيل وكسروان الشيخ محمد جواد، وقارئ المجالس الحسينية فضيلة الشيخ علي ترمس، إضافة إلى الحاج ماجد حيدر وفعاليات القرية. البداية كانت مع آيات بينات من القرآن الكريم بصوت القارئ خضر بلوط، حيث أجاد في التجويد وخشعت لصوته القلوب.
ثم تحدث سماحة الشيخ حسين شمص عن معاني عاشوراء وإحياء المجالس الحسينية. بدأ سماحته الحديث بقول الإمام الرضا عليه السلام: “إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال، فاستحلت فيه دماؤنا، وهُتكت فيه حرمتنا، وسُبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأُضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم تُرع لرسول الله صلى الله عليه وآله حرمة في أمرنا. إن يوم الحسين عليه السلام أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء. فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام”.
وأوضح سماحته كيف كان يُحرم الاقتتال حتى صيد الطير في شهر محرم إبان الجاهلية، وما قام بفعله في شهر محرم هؤلاء مدّعو الإسلام يزيد وأتباعه بخيرة خلق الله بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من قتل وسبي بأفظع صور يمكن أن يوثقها التاريخ وتكتبها البشرية.
وما فعله يزيد وأتباعه نجده اليوم يتكرر على يد الغرب، وخاصة أمريكا التي تدعي حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة، بينما ينتهكون كافة حقوق الإنسان ويرتكبون أفظع الجرائم بأسلوب جرائم الحرب والإبادة الجماعية. وما جرى مع الحسين عليه السلام على يد يزيد وأتباعه يتكرر اليوم على يد أمريكا والغرب وإسرائيل، حيث يبيدون شعبًا أعزل ويمنعون عنه الطعام والماء والدواء ويقتلونه بدم بارد تحت أنظار العالم المدّعي الحضارة الإنسانية.
وختم سماحته بالدعوة إلى المجالس الحسينية والمشاركة فيها، ليس فقط من أجل الحزن والبكاء، مع أن الحزن والبكاء يحافظان على القيم والمشاعر الإنسانية يقظةً متأهبة للدفاع عن المظلوم والوقوف بوجه الظالم. فالعقل لوحده يتحول إلى أداة قاسية، ولذلك المجالس الحسينية توجد نوعًا من التوازن بين الروح والمشاعر والمادة.
أما الختام، فكان مع قارئ مجلس العزاء الحسيني فضيلة الشيخ علي ترمس، الذي استفاض في شرح تاريخي لأسباب خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة المنورة.