جبيلجبيل المدينةجبيليات وكسروانيات

الدكتور عماد فغالي، مؤسس منتدى لقاء، كان ضيفاً في مجالس الإمام الحسين في كفر زبونا ورأس اسطا.

 

في اجواء شهر محرم الحرام، وفاجعة كربلاء التي غيرت المشهد الانساني العالمي عند مختلف الطوائف، ألقى الدكتور عماد فغالي كلمة تحت عنوان “ثورة الحسين عابرةٌ الأديان” 

وقد حضر اهالي المنطقة المجلس الحسيني في بلدة كفر زبونا مسجد الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام.

نص كلمة الدكتور فغالي.

ثورة الحسين عابرةٌ الأديان

السلام عليكَ أبا عبدالله. السلامُ عليكَ يا سيّدَ الشهداء.
السلامُ عليكَ يا حسينُ، أمامَ العدل والأخوّةِ والأخلاق.
سلامُ الله على أمير المؤمنين، أبيكَ عليّ بن أبي طالب، باب مدينةِ الله الحبيب.
وبعد،
في غرّةِ أيّامنا العاشورائيّة، نقف متأمّلين ثورةً أمًّا في تاريخ الأمّة… ثورةَ إمامِنا الحسين التشكّلتْ نهضةً فاقت اعتبارها إسلاميّةً… هي العبرتْ إسلامَها نحو من طاولتْ من أفرادٍ وجماعات، انتموا إلى أديان الله طرًّا…
يصف الشيخ محمّد مهدي شمس الدين:
“الثورةُ الصحيحة هي الاحتجاج النهائيّ الحاسم على الواقع المُعاش. فبعد أن تخفق جميع الوسائل الأخرى في تطوير الواقع، تصبح الثورةُ قدرًا حتميًّا لا بدّ منه”.
الواقع المُعاش إن يُشرْ إلى الأنماط الحياتيّة للمجتمع الإسلاميّ وممارسة السلطة الحاكمة يومها، ينسحبْ على الجماعات البشريّة والأفراد غير المسلمين. أولئكَ التطالهم الامتدادات الإسلاميّة على مساحات تواجدهم…
الثورةُ الحسينيّة تخطّت في مفاهيمها انتماءَها المسلم، إلى الفضاءات الإنسانيّةِ جمعاء… مفاهيمُ إنسانيّة في امتياز… عدالة في مواجهة الظلم. توزيع الخيرات والموارد على الناسِ فلا يبقى محتاجٌ، أدانَ بالإسلام أم بالنصرانيّة أو بغيرهما… صدى الصوت الإماميّ (ر) الهاتف: أخٌ لكَ في الدين، أو نظيرٌ لكَ في الخلق…
ولأنّ الثورةَ حقٌّ، تعني الإنسانَ في وجوده وكرامته، والكيلُ طفح… لأنّ الثائرَ ينادي بمعيوش الناس… لأنّ الصدقَ لا يخفى على امرئٍ… هبّ النصرانيُّ من عمق انتمائه، إلى نصرة الحسين، مدعومًا من أهله وعائلته… وهبُ ابن عبدالله الكلبيّ وجون عبد أبي ذرّ الغفاريّ الأبى أن يفارق أبا عبدالله “حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم” قال له، تضحيةً كاملة لأجلِ الدين للإنسان وليس العكس. لأجل الدين يُعاشُ ويمارَس بما يرفع الإنسان إلى مراتبَ من قيمةِ عباد الله… أحاكمًا كان أم مواطنًا، أو من عباد الله في طبيعة الحال!

أيّها الأحبّةُ،
نحن في عاشوراء لا نحيي ذكرى كربلاء الحزينة، ولا نستنهضُ المشاعرَ المناهضة لمظالم بني أميّةَ ومُواليهم… وإن كان هذا حقًّا وواجبًا على السواء. الجديرُ أن ننعمَ بالخصالِ الحُسينيّة ونتمتّعَ بالفكر الكربلائيّ، ونتحلّى بصفات أهل البيت، فعلاً متواصلاً في عصرنا هذا، ومستدامًا في كلّ زمانٍ آتٍ، في كلّ انتماءٍ ومعتقد… لأنّ الحسينَ تجلّى كونيًّا، لكلّ مشارب الناس في مشارقهم ومغاربهم. طالَ ساميات الفكر الإنسانيّ في الأديان كلّها والإيديولوجيّات طرًّا… النبلُ يا سادةُ سعيٌ عابرٌ لجماعةٍ أو مذهب… هو صفةٌ من علُ، من عند أبي الأنوار!!

في ١٣ تمّوز ٢٠٢٤

 

وايضا شارك الدكتور فغالي في المجلس الحسيني الذي يقام في بلدة راس اسطا الجبيلية، حيث القى كلمة بحضور حاشد من فعاليات واهالي البلدة التي اجتمعت لاحياء مراسم عاشوراء، تلبية لنداء الامام الحسين عليه السلام.

القيم الإنسانيّة في الثورة الحسينيّة

عندما أقف على المنبر العاشورائيّ، وأنا أفعل للسنة الثانية على التوالي، بمكرُمةٍ من الدوحة الحبيبة الترغب أشارككم مجلسَ الحسين عليه السلام، تعتريني مهابةٌ من علُ. أشعرُني مظلّلاً بهالةٍ حسينيّة، تحوطني بنبضٍ يحثّني على بوحٍ إشكاليّ يغلي في عروقي، عنوانه الإنسان أوّلاً وأوّلاً دائمًا.
من يسِرْ إلى عمقي، يتبيّنْ مسارًا عليًّا في قناعاتي. يجدْ في خبايا فكري، أسنادٌ من كنوز الإمامُ عليّ، صقلتْ نفسي على مراتعَ إنسانيّة مجلّية. معرفتي بالإمامُ عليه وضعتني في بيّنة أنّ الرجلَ أكبرُ من أن تستوعبَه منظوماتٌ استغلاليّة، ترى في الدين سلطةً وفي الناسِ عبيدًا…
الإمامُ عليّ الرأى في الدعوةِ الإسلاميّة ارتقاءً بالإنسان من المستوى العباديّ في رفعته، إلى الرتبة العابديّة في كِبرها. إنْ نُدعَ عِبادًا، نقفْ وجوهُنا نحو الله، نبغِ اتّباعًا له تعالى، يهدينا هويّةَ إنسانٍ في ملء!
لا أضيف معرفةً في مقاربتي التعليم الإماميّ الجَمعَه الشريف الرضيّ في نهج البلاغة. تكفيني الإشارةُ أنّي في مسارٍ قيميّ مؤسّسٍ لفكرٍ ثوريّ يرومُ نهضةً تُوّجتْ بما نحن في مناسبته… إنْ تكُنْ كربلاء، تقُم مأساةٌ بُنيتْ على واقعٍ ظلاميّ، تبانُ وصولاتُها إلينا ثقافةً تتشكّل كينونةً مضيئةً في أساساتها، حسبُها مرضيّةً!
تطالعنا الثورةُ الحسينيّة بمقوّماتٍ واضحةِ المعالم:
“إحقاقُ الحق ومقاومة الظلم والباطل. شكّلت (الثورة) تحدّيًا بارزًا ورئيسًا للاستبداد والطغيان الذي كان يمثّله حكّام بني أميّة. وتمكّنت من نزع القناع الدينيّ الذي حاول هؤلاء الحكام التستّر خلفه من أجل شرعنة حكمهم وتسلّطهم على رقاب الناس… كما تمكّنت الثورة الحسينيّة المباركة من زرع بذور الحركات الثورية المناهضة للباطل والظلم والطغيان، والمطالبة بالحق والعدل في مواجهة الحكام المستبدّين خلال التاريخ الإسلاميّ…”
أمَا هذا هو الإسلامُ في ينابيعه تصوّرًا وتصميمًا؟
انطلاقًا ممّا أعلاه، تعالوا نقرأ المشهد من نافذةٍ تعرّف الإسلامَ شرعةً ملكة: القيم الإنسانيّة. تستغربون أنّي، المسيحيَّ أنا، أقاربُ الموضوعَ دينًا، تعتقدون لا أنتمي إليه! بلى. الدين يعنيني، أجدني فيه إنسانًا في ملء قامتي!
بين الدين والقناع الدينيّ قصّةُ بين قيمٍ وأخلاق، وبين ظاهرٍ قيميّ وأخلاقيّ يخفي استبدادًا واستغلالَ سلطة لتحكّمٍ بالعباد. هي قصّةُ الحُسين الثورتُه الدين في سموّه الإنسانيّ وبني أميّةَ التقنّعوا بالدين رياءً ونفاقًا… فبهم وأمثالهم قال الإمامُ علي: ” ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة، ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا. قد طامن من شخصه وقاربَ من خطوه، وشمّر من ثوبه، وزخرف من نفسه للأمانة، واتّخذ ستر الله ذريعةً إلى المعصية” (نهج البلاغة ١/ ٩٨).
ثورةُ الحسين إذًا، ثورةٌ قيميّة أخلاقيّة في معنى أنّها ثورةٌ تهدف إلى قيام مجتمعٍ تسودُه المكرُمات، عدلاً ونصرةَ مظلوم ومناهضةَ باطل… الثورةُ الحسينيّةُ تشكّلتْ خلقَ مساحةٍ يعيشُ فيها المسلمون إسلامَهم الحقّ النادى بأُسسِه الحُسين وعاشه… هذا السياق تكلّم عليه الشيخ محمّد مهدي شمس الدين في كتابه “ثورة الحسين، ظروفها الاجتماعيّة وآثارها الإنسانيّة”، يقول: “قدّم الحسين (ع) وآله وأصحابهم – في ثورتهم على الحكم الأمويّ- الأخلاق الإسلاميّة العالية بكلّ صفائها ونقائها. ولم يقدّموا إلى المجتمع الإسلاميّ هذا اللون من الأخلاق بألسنتهم، وإنّما كتبوه بدمائهم وحياتهم”.
في المفهوم الحسينيّ، الإسلامُ دعوةٌ إلى نموذجٍ من الأخلاق أسمى ممّا يمارسه المجتمع. وهذا ضرورةٌ لازمة… لا بدّ أن تتغيّر نظرة الإنسان إلى نفسه وإلى الآخرين، بل إلى الحياة بشكلٍ ارتقائيّ، فيكون مجتمعٌ صالح. وهذا تأكيدٌ أنّ الثورةَ في فكر الإمام الحُسين هي أوّلاً مسلكيّة، تدحض الظلمَ بعيش المحبّة والأخوّة والحِلم التي تكفل العدالة في التعاطيات. و”الثورةُ الصحيحة هي الاحتجاج النهائيّ الحاسم على الواقع المُعاش. فبعد أن تخفق جميع الوسائل الأخرى في تطوير الواقع، تصبح الثورةُ قدرًا حتميًّا لا بدّ منه”. واضحٌ إذًا، كم الثورةُ هي إصلاحٌ في الأساس. لأجل مجتمعٍ سليم، لأجل إنسانٍ راقٍ، يحيا منظومةً قيميّة تكفل كرامتَه الإنسانيّة وتؤمّن حياتَه وحاجاته باحترامٍ متبادَل، عاموديًّا من الحاكم إليه، وأفقيًّا بينه وبين مواطنيه…
يقول الإمام الشيخ شمس الدين في هذا السياق: “هزّ هذا اللون من الأخلاق… هذا اللون من السلوك، الضمير المسلم هزًّا متداركًا، وأيقظه من سُباته المرَضيّ الطويل، ليشاهد صفحةً جديدة مشرقة يكتبها الإنسان بدمه، في سبيل الشرف والمبدأ والحياة العارية من الذلّ والعبوديّة”.
اليوم، أربعة عشرَ قرنًا على ثورة الحسين واستشهاده لأجل أن يكون في الإسلام إنسانٌ إنسانيّته كمال، كم جديرٌ أن يكون كلّ الإسلام، بل كلّ الدين، أإسلامًا كان أم غيرُه، ثورةً حسينيّةً مستدامة، ويكون كلّ مسلمٍ وكلّ عابدٍ في دينه حسينًا… فيكون لنا الإنسانُ في صلاح… وحسبُنا!!!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى