جبيلجبيل المدينةجبيليات وكسروانيات

النائب البطريركي العامّ المطران عنداري، لبى دعوة امام بلدة زيتون الدكتور الشيخ محمد أحمد حيدر، فارتقى منبر حسينيّة المسيح عيسى بن مريم

لبّى النائب البطريركي العامّ سيادة المطران أنطوان نبيل عنداري السامي الاحترام دعوة معاون مفتي مفتي محافظة كسروان-الفتوح وجبيل إمام بلدة زيتون الدكتور الشيخ محمد أحمد حيدر فارتقى منبر حسينيّة المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام ببلدة زيتون فتوح كسروان بعد الترحيب بحفاوة به من قبل سماحته وعبّر عن روحه النبيلة وعمق العلاقة وإرادة العيش الأخوي الوطني بكلمات مضيئة هو ذا نصّها

أصحاب السماحة المحترمين،
أيها الإخوة الكِرام،
السَلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُه،
معَ حُلولِ أَيامِ عاشوراء، أَيامِ الشَهادَةِ وَالفِداء، يُشَرِّفُنَا أَن نُلَبِّيَ دَعوَتَكُم الكَريمَة وَنُحَيِّيكُم في هذه الذِكرى مُعرِبينَ لَكُم عَن عاطِفَةٍ صَادِقَة مَقرونَةٍ بِالتَقديرِ والإحتِرام.
1-أَمّا بَعد، فَكَم يَجدُرُ بِنَا أَن نَنظُرَ إلى مُنعَرَجاتِ التاريخِ الذي انقَضى، وأَن نَرى ما فيهِ مِن تَطَوُّراتٍ وتَفاعُلات. ولَن يَتَفاجَأَ أَحَدٌ بَعدَ ذلِكَ بِأَن تَجُرَّ المَظالِمُ إلى مَظالِمَ مُعاكِسَة بِمَا يُعيدُ العالَمَ إلى ما هُوَ أَدنى مِنَ الحَضارَةِ وَالمَدَنِيَّة. إنَّ هذه المَوجاتِ العاتِيَة مِنَ الإساءات والإساءات المُضادَّة لَن تَصنَعَ، لا في الإسلام وَلا في سِواه مِنَ الأَديان، تاريخَاً حَضارِيّاً قَيِّمَاً، وَهِيَ لَن تَجلُبَ لِلناسِ سَلامَاً قائمَاً على العَدالَةِ والمَحَبَّةِ وَالإخاء.
2-إلى أَيّهُمَا نَحنُ أَحَوج؟ مَنطِقُ القُوَّة أَم قُوَّةُ المَنطِق؟ فَشَتّانَ ما بَينَ مَنطِقَ القُوَّة وَقُوَّةَ المَنطِق. وَيَستَحضِرُنَا مِن حِكَمِ وَأَقوالِ رَسُولِ اللّه عَلَيهِ السَلام : ” لَيسَ الشَديدُ بِالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَديدُ الذي يَملِكُ نَفسَهُ عِندَ الغَضَب “.
3-إنَّ السَلبِيَّةَ تَكمُنُ في رَبطِ وَحَصرِ مَفهُومِ القُوَّة بِالعُنفِ وَالإرهابِ لِفَرضِ التَغيير. لكنَّ قُوَّةَ المَنطِقِ اليَومَ أَقوى أَثَراً وَانعِكاسَاً في المُجتَمَع مِن مَنطِقِ القُوَّة. والكَلِمَةُ الطَيِّبَة وَالحِكمَةُ والتَعَقُّلُ وفَهمُ الآخَر هُوَ ما نَحتاجُهُ اليَومَ لِنَعيشَ بِسَلام. وَلَطالَما احتاجَتِ الأُمَمُ إلى عُقَلائهَا وَحُكَمائهَا في جَميعِ أَحوالِهَا، وَهِيَ في المِحَنِ وَالأَزَماتِ أَحوَج.
4-إنَّ ثَورَةَ الحُسَينِ قادِرَةٌ، في أَيامِنَا العَصِيبَةِ هذه، على استِعادَةِ الصَفاءِ بَينَ الأُخوَة، والوَحدَةِ ألى القُلوبِ وَالرُبُوع. وَلَئن كانَ ثَمَّةَ شُعورٍ دَفينٍ يَنتابُ الناسَ حِيالَ جَسامَةِ المَسؤولِيَّة، فَإنَّ الإيمانَ يَقوى في الصُدورِ لِمُجَرَّدِ التَأَمُّلِ بِصَلاةِ زَينَبَ شَقيقَةِ الحُسَين، تِلكَ التي أَطلَقَتها مِن صَميمِ قَلبِهَا عِندَما كانَ سَيِّدُ الشُهَداءِ مُسَجَّى أَمامَها، فَتَوَجَّهَت إلى رَبِّهَا ضارِعَةً تَقول: ” أَللَّهُمَّ إقبَل مِنّا هذا القُربان “. وهذه صَلاةٌ لَها صَداها القَوِيُّ في المَسيحِيَّةِ وَالإنسانِيَّة.
5-نَحنُ نَعرِفُ أَيضاً أَنَّ إصلاحَ التاريخ يَحتاجُ إلى تاريخٍ مِنَ الإصلاح، وَإنَّ أُمورَ الدُنيا لا تُسَوّى بِسِحرِ ساحِر، فَهِيَ مَرهُونَةٌ بِالتضحِياتِ في سَبيلِهَا، وَبِذِهنِيّاتٍ تُكَوَّنُ مِن جَديد، وَتَربِيَةٍ سَاهِرَة على روحِ الوَحدَةِ وَالسَلام، تُزرَعُ بُذُورُهَا فِعلاً في النُفوسِ قَبلَ النُصوص، وَأَنَّ مِثلَ هذا المَنحى يَحتاجُ إلى ما هُوَ أَكثَرُ مِنَ السِياسَة، لأَنَّهُ شَأنٌ تَربَوي بَل هُوَ شَأنٌ حَضاريٌّ بِامتِياز.
6-وَمِنَ المُهَمِّ أَن نَذكُرَ هُنَا سِياسَةَ العَيشِ مَعاً، وَوَضعَ القَواعِدِ العامَّة، وَنِظامَ الحَياة وتَنظِيمِهَا، مَسأَلَةٌ مُقَرَّرَةٌ في الشَريعَةِ الإسلامِيَّةِ السَمحاء وَمَعَ الإحتِفاظِ بِخُصوصِيَّةِ الإعتِقادِ والدِينِ لِكُلِّ الأَفرادِ بِالمُجتَمَع بِلا استِثناء، وذلِكَ بِحَسَبِ قَولِهِ تَعالى في سُورَةِ البَقَرَة : ” لا إكراهَ في الدينِ قَد تَبَيِّنَ الرُشدُ مِنَ الغَيِّ…”، ولا أَدَلَّ على هذا المَفهومِ مِن وَثيقَةِ المَدينَةِ المُنَوَّرَة التي نَظَّمَت وَهَيَّأَت سُبُلَ العَيشِ السِلمي بَينَ أَطيافِ وأَعراقِ وَدِياناتِ مُجتَمَعِ المَدينَةِ كافَّة.
7-أَمّا نَحنُ في لُبنان، فَإنَّ ما خَبِرناهُ مِنَ العَيشِ المُشتَرَك فيما بَينَنَا عَبرَ العُصور، وعلى الرُغمِ مِنَ الإشكالات التي تَعرِفُ المُجتَمَعاتُ مَثيلاً لَها، يَحمِلُنَا جَميعَاً على أَن نُقَدِّمَ لإخوانِنَا في كُلِّ مَكان مَثَلاً طَيِّبَاً في التَلاقي وَالمُساواةِ، وفي المَحَبَّةِ وَطيبِ العَيشِ بِكُلِّ روحٍ سَمحاء. إنَّها مَسؤولِيَّةٌ جَسِيمَة تَقَعُ عَلَينَا في هذا الوَطَن، وَهِيَ تَحمِلُنَا على مَدِّ يَدِ العَونِ لإِعادَةِ اللُّحمَة إلى المُجتَمَعاتِ بَعدَ أَن عَمِلَ فيهَا التَفَكُّكُ وَروحُ البَغضاءِ عَمَلاً شَنيعَاً. لَقَد خَلَقَ اللّهُ الناسَ شُعوبَاً مِن أَجلِ أَن ” يَتَعارَفُوا ” كَما يُعَلِّمُ القَولُ الكَريم.
8-ويَقولُ قَداسَةُ البابا فرَنسيس عَنِ الحِوارِ الأَخَوي: ” إنَّنا مُلتَزِمونَ بِالسَيرِ والصَلاةِ والعَمَلِ كَي يَسودَ فَنُّ اللِّقاءِ على استرتيجِيّاتِ الصِدام. وأَن تَحُلَّ مَحَلُّ عَلاماتِ التَهديدِ عَلاماتُ الرَجاء، وأَن تَتَحَوَّلَ صَرَخاتُ الحَربِ إلى أَناشيدِ سَلام…وكَفى لاستِغلالِ الشَرقِ الأَوسَط مِن أَجلِ مَكاسِبَ غَريبَةٍ عَنهُ…”. وتَحَدَّثَ قَداسَتُهُ بَعدَ ذلِكَ عَن مَدينَةِ القُدسِ مُعرِبَاً عَن قَلَقٍ كَبير، ولكن بِدونِ التَخَلّي أَبَداً عَنِ الرَجاء، فَوَصَفَها بِمَدينَةٍ مُقَدَّسَةٍ فَريدَةٍ لِجَميعِ الشُعوب، داعِيَاً أَن تَزولَ عَنِ الشَرقِ الأَوسَطِ الحَبيب ظُلُماتِ الحَربِ والإستِغلالِ والتَعَصُّبِ والعُنف.
9-أَيُّهَا الأَعِزّاء، إنَّ وَطَنَنا بِمَا لَهُ مِن دَورٍ خاصٍّ في مُحيطِه، هُوَ الوَطَنُ الوَسيطُ بَينَ الجَميع. وَمِن غَيرِ المَعقولِ أَن يَعرِفَ اصطِفَافاً غَيرَ اصطِفافِ الوَصلِ في كُلِّ زَمانٍ وَمَكان. فَقَدَرُهُ قائمٌ في أَن يَجمَعَ لا أَن يُفَرِّق. فَاللّهُ نَسأَل في هذهِ الأَيامِ الكَربَلائِيَّة، والذِكرى العَطِرَة لِلحُسَينِ بِن عَلِيّ سَيِّدِ الشُهَداء، أَن يُلهِمَنا جَميعَاً القِيامَ بِواجِبِنَا في سَبيلِ جَمعِ شَملِ الأُخوَة.
10-إنَّ القُربانَ الذي قَرَّبَتهُ زَينَبُ إلى رَبِّهَا وَسَأَلَت لَهُ قَبُولاً، وَإنَّ الحُسَينَ، رَضِيَ اللّهُ عَنهُ، يُوَجِّهُ دَعوَةً مَفتوحَة إلى الصَفاءِ وَالإحتِكامِ إلى كُلِّ ما يَأمُرُ بِهِ اللّهُ وما يَنهى عَنهُ. فَلا بُدَّ لِهذا الكَنزِ الروحِي مِن أَن يَفيضَ خَيراً على الناسِ في كُلِّ مَكان. وَكُونوا على يَقين مِن أَنَّ أَهلَ الضَمائرِ الحُرَّة في الأَرض، هُم جَميعَاً، أَيّاً كانَ دِينُهُم، عُصبَةٌ واحِدَةٌ مِن أَجلِ الحَقّ. واللّهُ لا يَترُكُ عِبادَهُ فَالثَوابُ عِندَهُ أَبَداً وَهُوَ الهادي إلَيه سُبحانَهُ وتَعالى. والسَلامُ عَلَيكُم جَميعَاً !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى