في عام 2023 نال لبنان علامة وسطية بلغت 69 نقطة من أصل 100 وفق “قياس مؤشرات تنظيم الطاقة المستدامة” وحلَّ في الترتيب العالمي، ضمن أفضل 5 بلدان سجلت اهتماماً واندفاعاً لافتاً في قطاع الطاقة المتجدّدة، وتحديداً الطاقة الشمسية.
حينها ظن المتابعون لشؤون الطاقة والكهرباء، أن الحس البيئي وثقافة حماية الطبيعة، وما أقر من قواعد سلوك عالمية جديدة لحماية كوكب الأرض من الموت البطيء على يد ساكنيه، استيقظت لدى اللبنانيين، وباتت البلاد تتعامل مع أزمتها الكهربائية العريقة، بعقلية علمية ذات رؤية مستقبلية، تخدم على السواء خزينة الدولة، وما بقي من دولارات في مصرف لبنان. بيد أن الواقع هو أن اللبنانيين دخلوا أسواق #الطاقة المتجددة وخصوصاً الطاقة الشمسية، في الأعوام الخمسة الأخيرة من باب “مكرهٌ أخاك لا بطل” حيث ما عاد ينفع الاتكال كلياً على مولّد الحيّ لشراء التيار، وفي ظل شحّ قاسٍ لكهرباء الدولة، وانعدام الأفق أمام المعنيين في الدولة، للاتفاق على حل جذري لمعضلة الكهرباء.
يعلم اللبنانيون أنه لو استمرت سياسة استنزاف دولارات مصرف لبنان أكثر، في شراء الفيول وتأمين أكلاف الإنتاج الذي كان متوافراً قبل الأزمة، بحدود 14 ساعة تغذية يومياً، لما لجأ إلا قلة قليلة منهم إلى الشمس، مستجيرين بعطاءاتها، ومستنجدين بحرارتها وأشعتها لإنتاج ما يسد فجوة التغذية التي عجزت كهرباء لبنان عن تأمينها، وخصوصاً بعد الانهيار الاقتصادي والنقدي.
من يعطي الرخص؟
بهدف زيادة حصة الطاقة المتجددة بنسبة 30% من مجموع مصادر الطاقة الإجمالي بحلول عام 2030، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون إنتاج الطاقة المتجدّدة الموزعة، في 23 أيار من عام 2023، وأقره مجلس النواب في 14 كانون الأول من عام 2023. ولكن معظم مواد القانون لم تطبق باستثناء جزء صغير ليس في حاجة الى هيئة تنظيم الكهرباء، أما بقية مواد القانون الأساسية فهي في انتظار إطلاق الهيئة التي تنتظر أن تعيّن السلطات مجلس إدارتها.
رئيس المركز اللبناني لحفظ الطاقة (LCEC) المهندس بيار خوري أكد لـ”النهار” أن الرخص هي بحسب القانون 462 بمثابة إذن تعطيه الهيئة الناظمة للطاقة المتجددة للتعاون بين القطاع الخاص ومؤسسة كهرباء لبنان، لافتاً الى أن عدد الرخص التي أعطيت لا يتجاوز 14 رخصة، إذ ثمة 3 رخص أعطيت للرياح في عام 2018، وفي عام 2022 أعطيت 11 رخصة للطاقة شمسية، علماً بأن الرخص أعطيت بحسب القانون 462 والقوانين اللاحقة التي تنقل صلاحيات الهيئة الناظمة الى مجلس الوزراء لفترات معينة.
أما لماذا لا تعطى رخص جديدة، فيوضح خوري أن القانون 462/2002 ينص على أن الهيئة الناظمة هي التي تعطي الرخص صلاحيات واسعة ولكن حتى اليوم لم تبصر النور في انتظار تعيين أعضاءٍ لها، إذ إن من بين مهامها تحديد معايير الأهلية لتقديم طلب تركيب العداد الصافي، ومواصفات أنظمة الطاقة المتجددة الملائمة، وإجراءات ربط هذه الأنظمة على الشبكة وشروطه، والرسوم ذات الصلة بالإضافة إلى صلاحيات أخرى.
وفي ظل الانتشار الواسع لمؤسسات وشركات تبيع #ألواح الطاقة الشمسية، يوضح خوري أن استيراد ألواح الطاقة مسموح للجميع شرط أن يلتزم بالشروط والمواصفات والمعايير التي تضعها مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية (ليبنور) ومؤسسة الكهرباء أو معهد البحوث الصناعية والمركز اللبناني للطاقة. أما المؤسسات التي تبيع الطاقة الشمسية وتركبها للمواطنين فهي مخالفة للقانون، فيما الرخص القانونية هي تلك التي أعطيت للقطاع الخاص لبيع الطاقة لمؤسسة كهرباء لبنان.
أمّا بالنسبة للإنتاج والبيع المباشر للطاقة المنتجة من أنظمة الطاقة المتجددة، فيمكن للمنتجين المرخصين استخدام الشبكة العامة لتوزيع طاقتهم المولدة في جميع المناطق داخل الأراضي اللبنانية، وذلك بموجب اتفاق مع مؤسّسة كهرباء لبنان مقابل رسوم عبور، تحدد قيمتها هيئة تنظيم قطاع الكهرباء (ERA) كما يُمكنهم البيع المباشر من دون المرور بالشبكة العامّة شرط أن يكون عقار المستهلك واقعاً في نفس عقار منتج الطاقة المتجدّدة أو في عقارٍ ملاصقٍ له مباشرة.
والمعلوم أن القانون 318 أتاح لأصحاب محطات الطاقة الشمسية المنزلية تركيب عدادات كهرباء ذكيّة تمكنهم من بيع فائض الطاقة المنتجة للدولة، وتقاضي ثمن الطاقة بعد إجراء مقاصة بين الكمية المستهلكة وتلك المنتجة، وهو ما يُعرف باسم “التعداد الصافي” الذي يطبّق أيضاً على المستثمرين الكبار، وأصحاب محطات الطاقة الكبيرة (10 أو 15 ميغاواط). وإذا انخفض الاستهلاك، يحوّل الفائض أيضاً إلى الشبكة العامة مقابل بدل.
ولكن المشكلة وفق ما يقول خوري أن ساعات التغذية الكهربائية محدودة وتالياً من الصعوبة وضع الفائض على الشبكة، والمشكلة الأخرى أن مؤسسة الكهرباء بطيئة في تركيب العدادات الذكيّة، علماً بأن ثمة أكثر من 200 منزل ومؤسسة لديها هذه العدادات.
الطاقة المتجدّدة بالأرقام؟
بين عامي 2012 و2020، تم تركيب أجهزة توليد طاقة شمسية قادرة على إنتاج 100 ميغاواط ساعة من الكهرباء. ومنذ عام 2021 بدأ نموّ قطاع الطاقة الشمسية يتزايد، إذ دخلت 100 ميغاواط ساعة جديدة. إلا أن نسبة استخدام الطاقة الشمسية ارتفعت عام 2022 بـ650%، حيث أنتج اللبنانيون 650 ميغاواط ساعة إضافية من الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسيّة.
بحسب إدارة الجمارك اللبنانيّة استورد لبنان في عام 2022 نحو 80315 طناً من ألواح الطاقة الشمسيّة، فيما أنفق القطاع الخاص أكثر من 500 مليون دولار على تطبيقات الطاقة الشمسيّة اللامركزيّة في خلال الأزمة. وبلغت القدرة الإجماليّة لمنشآت الطاقة الشمسيّة اللامركزيّة 1000 ميغاواط بحلول شهر حزيران 2023 (وذلك بحسب المركز اللبناني لحفظ الطاقة).
وأكد خوري أن المركز قاب قوسين من الإعلان عن التقرير الذي أعدّه لكل الطاقة الشمسية لنهاية عام 2023، إذ تبيّن أن ثمة 1200 ميغاواط أنتجها اللبنانيون من الطاقة الشمسية، وتشمل القطاعات كافة ومنها القطاع المنزلي الذي تراجعت نسبة التركيب فيه عن عام 2022، فيما زاد تركيب الألواح الشمسية في المشاريع الكبيرة.
بيئياً، يشير خوري الى أن “الطاقة المتجددة تشكل نحو 25% من الطلب على الطاقة الكهربائية بينها 20% للطاقة الشمسية، بما خفف نحو 25% من التلوّث الناتج عن معامل الكهرباء. وإذا أضفنا مشاريع الرياح المقدرة بـ226 ميغاواط، ومشاريع الـ11 رخصة بنحو 165 ميغاواط أي ما مجموعه 400 ميغاوط إضافية، فهذا يعني أنه يمكن أن نوفر ثلث التلوّث”.
حقق اللبنانيون في اعتمادهم على “الطاقة الشمسية” الاكتفاء الذاتي، أسوة بما فعلوه مع مولدات الأحياء، وصهاريج الماء، والإنترنت غير الشرعي، وغيرها من القطاعات التي وجدوا فيها الحلّ البديل الذي عجزت عن تأمينه لهم الدولة ومؤسساتها، بسبب النكايات السياسية أحياناً، والمنافع المتبادلة أحياناً أخرى.
سلوى بعلبكي – النهار