اخبار ومتفرقات

الأسرار الكاملة وراء عمليات الاغتيال التي نفذتها حكومة نتنياهو

لست ضليعًا بالأمن والاستخبارات، لكن أتذكر مقولة لأحد الأشخاص، أن دهاء كيسنجر السياسي تغلب على ترسانة أمريكا العسكرية وأدخل العالم لعقود طويلة في لعبة كانت لصالح واشنطن. وكم حُكي عن ثعلب السياسة الأمريكية كيسنجر من قصص تقارب الخيال.

 

وأنا أقارب الموضوع من الجانب السياسي، الذي على ما يبدو نادر في عالمنا حيث تخضع قوانين سن الأفكار للأكثرية العددية، بل أحيانًا ألمس أنه حتى القادة في أماكن كثيرة يحتاجون إلى جهد لإخراج المجتمعات من حالة الثبات على أفكار أصلًا لم تعد موجودة، لكن الموروث العقلي في اللاوعي هو الذي يثبتها ويجعلنا نعيشها أبدًا.

 

وفي السياسة هناك قراءة واحدة لكل ما يقوم به نتنياهو، وما تعيشه المنطقة. 

نتنياهو يريد أن ينقذ نفسه من المحاسبة، ولولا عملية طوفان الأقصى لكان الكيان الاسرائيلي مشتعل بنار التظاهرات، ونتنياهو قابعًا في أحد سجون الكيان يعيش ما عاشه زميله أولمرت، لكن طوفان الأقصى ودون سابق إنذار قدم له طوق النجاة حيث استفاد نتنياهو من عدد القتلى الإسرائيليين المرتفع الذين سقطوا بنيران جيش الكيان الإسرائيلي في يوم عملية طوفان الأقصى.

 

وبالرغم من إدراك الجميع أنه لا شأن لحماس بسقوط هذا الكم من القتلى الاسرائيليين، فإن قيادة حكومة العدو والمتورطين فيها بقتل الإسرائيليين أرادت أن تهرب من المحاسبة فانطلقت إلى الأمام بعملية عسكرية دون أفق سياسي أو إعلامي. والجميع يؤكد أنه في الأشهر الثلاثة الأولى كان العدو غارقًا في أزمة لا أفق لها على مستوى الداخل والعالم، مما حرك الرأي العام الغربي بصورة غير مسبوقة، حيث نزلت النخبة المثقفة بكافة جوانبها الاجتماعية والسياسية تهتف في مراكز عواصم القرار من واشنطن إلى باريس “لا لجرائم نتنياهو وقتل الأطفال”.

 

وفهمت الكتلة الحاضنة للكيان الإسرائيلي أن إسرائيل انتهت، بمعنى أوضح أن إسرائيل بحدودها الحالية لم يعد بإمكانها العيش وحتى إن دعمتها نظم عربية بالرجال والسلاح، ولكن في النهاية يكفي في أي لحظة أن يخرج ألف عربي أو مسلم بعملية مقاومة وبأسلحة خفيفة وستنقلب الطاولة مرة ثانية وثالثة، حتى تصبح الحياة في إسرائيل جحيم لا تُطاق.

 

وحاولت إسرائيل جهدها من خلال ارتكاب مجازر لم يسبق أن شاهدتها البشرية. نحن نتكلم عن أكثر من 50 ألف طفل وسيدة تم إحراقهم أحياء تحت أنظار العالم، مما أصاب الأمم المتحدة بالذهول وهرول الجميع ليقول “نعم لفلسطين”. نعم الجميع دون استثناء اليوم يعترف بفلسطين بما فيهم أمريكا وحتى جزء كبير من اليهود المغتربين يعترف بدولة فلسطين، إضافة إلى الدول الأوروبية التي سارعت إلى الاعتراف.

 

وحاول الحزب الديمقراطي الذي فاز بأصوات المسلمين والمهاجرين السود أن يثبت قرار حل الدولتين ربما يحافظ على الأصوات الإسلامية، لكنه فشل أمام تعنت نتنياهو. المدعوم من الحزب الجمهوري الذي قام بكل ما يمكن ليعطل رئاسة بايدن ويسقط الحزب الديمقراطي.

 

لذلك نتنياهو يعلم بأن الهامش أمامه كبير، لأسباب كثيرة، أولها هو غرقه في بحر الدماء، وأصبح مجرمًا بنظر العالم لذلك يحاول أن يقدم نفسه كبطل أقله أمام اليهود، كما أنه يحاول أن يقضي على ما سمي بحل الدولتين، إضافة إلى أنه يريد أن يسجل انتصارًا في جبهة الشمال الجنوب ضد حزب الله.

 ومشكلة حزب الله مع حكومة اليمين الإسرائيلي كبيرة جدًا. حكومة العدو الإسرائيلي تجمع أن حزب الله أفشل مخططها في غزة، أو أقله كشف اوراقها مما عرضها إلى انتقادات دولية، خاصة ان حزب الله يمتلك فئة قادرة على التأثير على الراي العام خاصة الاقليمي..

إضافة إلى أن معركة الشمال هجرت الإسرائيليين لأول مرة منذ قيام الكيان وهذا الأمر سجل انتكاسة في أعراف السيادة الإسرائيلية التي يظن الجميع أنها غير قابلة لمعادلة التهجير والاحتلال. فالعدو الإسرائيلي المحتل يرفض أن تقوم أي قوة بتحرير فلسطين لأنه يعتبر ذلك احتلالًا لدولة إسرائيل.

 

وأمام هذه التناقضات لم يبقَ أمام نتنياهو إلا أن يهجم على جميع دول المحور، مع ايمانه الكلي بالهزيمة وسقوطه، إن لم تكن عسكرية فستكون سياسية، ونتنياهو يريد أن يقول إن هزيمته تمت أمام دول المحور، بدلًا من أن يعلنها أنه هزم أمام المقاومة في غزة، أو استنزف أمام المقاومة في جنوب لبنان، أو حتى أنه أفشل الحركة الاقتصادية في الكيان الإسرائيلي وأصبح خطرًا على اقتصاد الكيان بعد إغلاق باب المندب والبحر الأحمر من قبل جمهورية اليمن لأي سفينة تتعامل أو تابعة للعدو الإسرائيلي.

وبعد أن نجحت المقاومة في جنوب لبنان مرات ومرات، وبالمقابل فشل الكيان مرات ومرات، ذهب نتنياهو إلى عمليات الاستفزاز السافر والتعدي على سيادة الأوطان مثل العراق وسوريا وحتى إيران إضافة إلى اليمن ولبنان.

بمعنى أن نتنياهو يحاول أن يستجلب الحرب الكبرى من أجل إشراك أمريكا التي توقع اتفاقية دفاع مشترك مع الكيان الاسرائيلي وهذا ما تحدث فيه بالكونغرس، وربما الحلف الأطلسي. ومع إدراك أمريكا والحلف الأطلسي أنه في حال نشوب حرب كبرى في الشرق الأوسط، فإن الروس سوف يستفيدون من هذه الحرب مما يعني هزيمة أوكرانيا، وهزيمة أوكرانيا تعني هزيمة أوروبا وامريكا وخروجهما من المنطقة الى الابد.

 

بالمقابل، نتنياهو الذي يهمه هو إنقاذ نفسه، بعد أن أغرق الكيان في أزمة وجودية لن تنتهي إلا بإزالة الكيان أو أن يعيش الكيان الإسرائيلي ما عاشته ألمانيا بعد سقوط النازية. 

إسرائيل على المستوى السياسي حتمًا سقطت، وكل ما ستقوم به في الحرب هو مجرد محاولة لكسب المزيد من الوقت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى