اخبار ومتفرقات

حذائي, آخر رفيق درب

أصيب ،نزف غباراً وتراباً و وحلاً،حَضنته،ضَمّدته كجريح حرب، كمقاتل شرس لا يستسلم.

في هذا العمر،وحده حذائي لم يغدر بي بخنجر في الضهر،لم يخنِّ ،لم يتخلّ عنّي ،مَن صمدَ بعناد و بقي معي شاهداً على كل معاركي في الحياة.

لا أذكر في حياتي غير اني ثور ينطح وينطحونه.

هرمتُ قبل أن أصبح راشداً وهَرُمَ حذائي قبل ان انتعله .

لا فرق بيني وبين حذائي ،كِلانا مسّحنا الارض بوجهينا.

 لاطفته،حقنته بقليل من افيون افغانستان المهرّب وحيّكت جراحه بلطف وبأمان و بلا ألم بخيط من خيوط امعاء خنزير.

وحده الخنزير أقربهم للناس طبيّاًوصناعة وبيولوجيا .

ربما حرّم الربّ اكل لحم الخنزير لتشابه اللحم(العضلات) بينه وبيننا. 

كي لا ننهش بعضنا البعض ،نحن الناس.

 طَليت بشرته بقليل من الفحم الافريقي ليزداد سواده المشوّه بالرماد سواداً و مسحته بقليل من جوز الهند ليزداد لمعانا.

مهما تقنّعنا،وحده الوجه الذي يلمع أصله وجه حذاء.

مددته في عرينه ليرتاح فوق سجادة فارسية،ليلتقي احذية رياضية ونسائية وطفولية ومدرسية تنام بعد تقاعد وبعد تعب.

جلد حذائي عربيّ ،اقسم بائعه انه من جلد تمساح نهر النيل المصريّ إنما العامل في المتجر شكك بكلامه وهمس لي ان جلد حذائي من عنزة شامية.

ايّا يكن فحذائي ينافس الصناعات الافرنجية بما فيها التركية.

لم يقل :لا “في زمانه بل كان يصرّ عليّ أن عمري ليس غير زمانه.

لم يقل الآخ .

لم يقل الآه.

حذاء شجاع.

اطلقت له موسيقى لبنانية وتارة خليجية لتواسيه و اشعلت الجهاز المرئي على مسلسل اميركي ليسلّيه الا انه كعادته يفضل ان يشاهد فيلما عن التعصّب والعصبية والحروب الاهلية والاقليمية والعالمية .

لطالما استنكر مقولة “قوم اذا ما ضُرب الحذاء بوجههم صاح الحذاء بأي ذنبٍ أُضربُ”.

هو مع فكرة ضرب القوم .

لا،لستُ أنا من يتخلّى عن رفاق الدرب.

لستُ انا من يطعن المناضلين الحقيقيين في الصدر أو في الضهر أو في القلب.

اطعن إنما وجها لوجه ،في المكان والزمان المناسبين.

اطعن إنما بعد صبر تكتيكي واستراتيجيّ.

بيني وبين حذائي رفقة عمر، شهد فيها كل هزائمي وكل اوهام انتصاراتي،شاركني الدراسة وشاركني لحظات الحب،رافقني في نزهاتي، في رحلاتي ،في اعراس الاصحاب وفي مآتم الأحباب.

رفقة عمر يا رفاقي.

زمن قليل ويتقاعد.

لا يتقاعد مناضل فالموج إن وقف طويلاً سقط.

ساقلّده وسامي الحرب و الجهد الانسانيّ.

سأحتفل به عند يوم ميلادي فكِلانا وُجدنا لنعمل لنتعب لنتعذّب، لناكل ولنحيا.

أُنهكنا وما عشنا.

سنلتقط معا صوراً تذكارية ككائنين مبتسمين من الآلام ،سأعلقها على جدار بلادي.

أين بلادي؟

سأسمي شارعا في بيتي،بين مدخل البيت وصالة الاستقبال بإسمه.

سأضع إشارات سير في بيتي،سامنع الازدحام وركن السيارات اينما كان وسأرفع اسمه على لوحة حديدية على الجدار تُعلم العابر من المطبخ الى غرفة النوم انه انما يعبر في شارع حذائي.

لا،سيبقى،لستً انا يا أعزّائي من يتخلّى عن شرفي وعن سلاحي وعن توأمي في النضال من أجل رغيف الخبز ،لست أنا من يتخلّى عن حذائي….

طوبى لي،

طوبى لحذائي،

حذائي آخر رفيق درب في حياتي.

 

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي موقع سانا نيوز. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى