اخبار ومتفرقات

العقاب المؤثّر ضرورة للردع الاستراتيجيّ وإنقاذ غرب آسيا

بات واضحًا أن ردّ محور المقاومة حتميّ، وأن عقارب وقته التي أربكت أعداءه بنغمة الإحراج الاستراتيجيّ باتت أقرب إلى تنفيذ العقاب التأديبيّ القويّ والفعّال والمؤثّر على اغتيال رئيس المكتب السياسيّ لحركة المقاومة الإسلاميّة حماس “إسماعيل هنيّة” في طهران، واغتيال القائد الجهادي في حزب الله “فؤاد شكر” داخل ضاحية بيروت الجنوبيّة.

 كما أن استهداف الحديدة في اليمن وما اشتمله من استعراض بالنار والدمار واستهداف مراكز الحشد الشعبي في العراق ونقاط متفرّقة في سورية -لا سيّما مطار الضبعة- يعزّر الحاجة للردع ورد الاعتبار.

 مباشرة العقاب، ومزايا القائمين به

 ستباشر الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران الردّ بنفسها، وسيتّخذ كلّ مكوّن جرى استهدافه ترتيباته لتحقيق رد أقوى من أي ردّ سابق خلال الحرب على غزّة؛ كما أن المقاومة الفلسطينيّة وكلّ أحرار العالم معنيّون بذلك وفق الأشكال المناسبة والمتاحة على قدر تحفّزهم وإقدامهم وما تسمح به ظروفهم.

تبرز ميزة إيران بوصفها “دولة” لها مقتضياتها وحساباتها، عليها ما تخسره ولها ما تكسبه، وما تنسجه من روابط وما تفقده من علاقات، وهي تخضع للقانون الدوليّ، فلا بد أن تتحرّك دبلوماسيّتها الجهاديّة لتقيم الحجّة وتدعم وجهتها العسكريّة بما يعزّز منظومة وآليات ردعها، والأهم أن تستعد للخطوة التالية على الرد في حال تطوّرت المسائل وتدحرجت كرة النار. وميزتها الأخرى باستدامة هويّتها الثوريّة حيث تتصدّر طليعة الدول والحركات المناهضة للهيمنة الأميركيّة والممارسات الاستكباريّة في العالم، وترجمة ذلك صارخة في دستورها وهندسة نظامها وفي بنية حرسها الثوريّ الذي يشتمل على لواء القدس لدعم وتحرير فلسطين، وقد غدا الجنرال الشهيد قاسم سليمانيّ رمزًا لكلّ فلسطينيّ وإيرانيّ وعربيّ وإسلاميّ وحرّ مقاوم نتيجة إخلاصه وعطاءاته، كما أصبح “اسماعيل هنيّة” كذلك، وقد شكّلت الصلاة على جثمانه بإمامة الإمام الخامنئيّ جزءًا من ذاكرة إيران ودول وحركات المقاومة وهي تعبر فوق التمايزات المذهبيّة تحت لواء الوحدة الإسلاميّة والانتصار للكرامة الإنسانيّة.

بينما يمتاز حزب الله بوصفه طليعة حركات المقاومة وعلى تماس جغرافي ممتد مع جبهة الإسناد، ويمتلك مسارًا طويلًا من التجربة والقيادة والقتال وبناء القدرة والتوثّب للتعامل مع أي عدوان بما يقتضيه داخل لبنان أو عند حدوده أو ما بعد بعد.

أمام هذا التمايز الواضح بين الدولة “إيران” والجماعة “حزب الله”، تبرز حركة أنصار الله بوصفها جماعة تمسك بمقاليد بعض الحكم على أجزاء هامّة من اليمن وتشغل مساحات جيوسياسيّة حسّاسة فتتحكّم ببعض الممرّات المائيّة وتمتلك قدرات عسكريّة مؤثّرة وإرادة قتال عالية في ظل قيادة صلبة وحكيمة اتخذت من تطوّر الحرب على غزّة والعدوان على اليمن سببًا لتطوير مراحل الإسناد عساها تسهم في إيقاف شلّال الدم الفلسطينيّ المظلوم.

اهتزّت قواعد الردع، وأعلنت إسرائيل الحرب على كل فصائل المقاومة في المنطقة، إذ لم تتورّع طبيعة الكيان العدوانية عن قتل المفاوض السياسيّ -في التاريخ عندما يقتل الرسول التفاوضي يعني إعلان حرب- ومن خلال استهدافها لمختلف الساحات بالطريقة والتزامن الذي جرى فيه، لتضع المحور المقاوم أمام مسؤولياته في تصميم السيناريوهات اللازمة، فيفتتح بها عتبة جديدة من عتبات الردع والصراع. في ظلّ أسئلة تتزايد عن صيغة الرد وتزامنه وتشاركيّته أو استقلال كلّ جبهة في ممارسة ثأرها المناسب والمنسّق بما يخدم خصوصيّات كلّ منها أو أنّ بعض الردود قد تحدث قبل الرد العام ومن ثم تشترك به، وهذا ما سيكشفه الميدان خلال ساعات أو أيّام بما يخدم مصالح الأمن القوميّ المشترك للمحور المقاوم، على أن يضع العدو بين حدّي الردع واستيعاب الموقف على تخوم الحرب دون التدهور إليها. وإن تدحرجت الأمور سيقول المحور المقاوم كلمته “نحن أهلها”.

 تعميق الاستنزاف البنيوي الشامل والأفق الاستراتيجيّ

يهدف هذا العقاب متوسّلًا ممارسة الحرب النفسية الصادقة واللعب على الوقت إلى تعميق الاستنزاف البنيوي الشامل للعدو الإسرائيلي في جيشه واجتماعه واقتصاده وتناقضاته السياسية والأمنيّة وإلى ملاقاة الأفق الاستراتيجيّ الردعيّ النوعيّ الأعلى، بما يفهمه أرباب العقل الاستراتيجي وأصحاب الخبرة العسكريّة الأمنية جيدًا. ولن يكون الردّ شعبويًّا بالضرورة، إنّما قد يدنو من مستوى التوقّع الشعبي ويلامس رضاه، لأن المحور بنى علاقته مع مجتمعاته بالذهاب إلى الخيارات المدروسة والعقلانيّة والواقعيّة دون رفع الأسقف إلى مستويات ترتد سلبًا على المستوى النفسي، ومن هنا الثقة المطلقة بقيادته. رغم أنّ السياقات التاريخية لكل مكوّن من مكوّنات محور المقاومة ولحركته الكليّة أفادت أن الاختلال في التفوق التكنولوجيّ والماديّ كان على الدوام راجحًا لصالح للعدو، ومع ذلك حصدت الثورة والمقاومة انتصاراتهما في مختلف الاستحقاقات، بسبب ملازمة بناء القدرة وتوطيد العلاقة المجتمعيّة على أسس معنويّة وروحيّة، وقد تعزّز اقتدار المحور وعلاقته بناسه بالقدر الذي جعل “إسرائيل” بحالة انتظار، وهذه علامة على قوة المحوّر وأهله، وهذا يحفّزه لممارسة العقاب القوي والمؤثّر بأناة وحكمة وشجاعة.

لم تكن المقاومة الإسلاميّة في حرب تموز 2006 على سبيل المثال، قد بلغت من القدرة ما يخوّلها دخول الحرب، ومع ذلك خاضتها انطلاقًا من إيمانها بربها وثقتها بقيادتها وبعزم مقاوميها وصبر أهلها. وعندما هدّدت المقاومة العدو الإسرائيليّ بشأن “منصّة كاريش” عام 2022 بلغت مرحلة التلويح بالحرب، ومع ذلك كانت مستعدة لخوضها إن فرضت الحرب نفسها وبأسباب القوّة عينها.

 منذ لحظة طوفان الأقصى في 7 تشرين الأوّل 2023، هناك عشرة أشهر مضت، وهي فرصة زمنيّة لكل مكوّن من مكوّنات محور المقاومة وللمحور متساندًا، وقد استثمرها ليس فقط في تجربته القتاليّة الميدانيّة الجديدة، وإنما أيضًا بمراكمته البنائيّة لقدراته وشبكة تنسيقه وتسانده. والكلام عن المقاومة هو الكلام عن الإرادة وعن الروح التي تقاتل والتي لا يمكن طمسها أو قتلها. ولذلك، إذا كانت قناعة العدو مبتنية على الحرب لإنهاء المقاومة فهو واهم وسيدخل نفقًا مظلمًا لكن هذه المرّة ستهدّد وجوده بعد أن أجهضت مزاياه الردعيّة.

يستمد كل مكوّن من مكوّنات المقاومة قوّته من إيمانه بقضيّته، ومن قناعته وإرادته في القتال فضلًا عن إيمانه بالقضية المركزية، ومن هذا المنطلق سيبادر إلى إنزال العقاب في عدوّه، والتريث في الرد لا يعود إلى التفاوض حول الرد، إنما لترميم ما استهدفه العدوان في الاغتيالين بانتخاب أو تعيين البدائل القياديّة، وإعادة هيكلة أوضاعه وفق التحدّي الجديد، وممارسة الإحراج الاستراتيجيّ كجزء منه، ولاستكمال متطلّبات التحضير للعقاب، والاستعداد لمرحلة ما بعد العقاب من تداعيات وتطوّرات ميدانيّة، بما يخدم إيقاف الحرب على غزّة والانسحاب منها، وتحسين الشروط الردعيّة لصالح مكوّنات محور المقاومة وأفقه الاستراتيجيّ المشترك في إنقاذ غرب آسيا.

قد تنضبط مرحلة ما بعد العقاب ضمن أطر وأسقف معقولة أو تنفتح على تعقيدات جديدة تهدّد مصالح قوى دولتيّة وغير دولتيّة معنيّة بمجريات الأمور ومآلاتها، لكنه من المبكّر الانخراط في تلك السيناريوهات، إذ تتوقّف على طبيعة العقاب ورد فعل العدو وحلفائه ومن يدور بفلكه، كما تتوقّف على تعامل محور المقاومة وأصدقائه هذه المرّة مع المتغيّرات والتغيّرات المستجدّة.

 مارس محور المقاومة إحراجه الاستراتيجيّ بعد صبره الاستراتيجيّ الطويل ليصنع منهما ردعًا استراتيجيًّا مأمولًا يخدم منطقه في الحماية والردع والتحرير. والأكيد، أن هذه التطوّرات تسرّع من السير الضروريّ المحفوف بالمخاطر على درب إنقاذ غرب آسيا من الاحتلال الإسرائيليّ ومن الوجود الأميركيّ.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى