الدولة العميقة والسلاح الذكي: كيف تطيل الولايات المتحدة أمد الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان؟
د.اكرم شمص
منذ اندلاع حرب غزة الأخيرة، ظهر الدور الأمريكي بشكل واضح في دعم إسرائيل، سواء من خلال تقديم الأسلحة المتطورة أو عبر المواقف السياسية المتذبذبة التي تجمع بين الدعوات العلنية لوقف إطلاق النار واستمرار تزويد إسرائيل بالأسلحة الفتاكة. هذا الدعم الأمريكي يعكس رغبة الدولة العميقة في الولايات المتحدة بإطالة أمد الحرب لتحقيق مصالحها.
الدولة العميقة: رأس حربة انحياز أمريكا لإسرائيل
تعد العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من أكثر العلاقات تعقيداً وتشابكاً في السياسة الدولية. على الرغم من التوتر الظاهر بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلا أن هناك قوى عميقة داخل النظام السياسي الأمريكي تدفع باتجاه دعم إسرائيل بلا تحفظ. هذه القوى، التي تشمل مؤسسات مثل وزارة الدفاع، وزارة الخارجية، مجلس الأمن القومي، والكونغرس، تعمل على تأمين استمرارية العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، حتى لو تطلب الأمر تجاهل الفظائع المرتكبة في غزة أو التحايل على الانتقادات الدولية.
الدعم العسكري: السلاح الذكي في قلب الصراع
لم تكتفِ الولايات المتحدة بتقديم الدعم السياسي والدبلوماسي لإسرائيل، بل تعدى ذلك إلى تزويدها بأسلحة متطورة موجهة بدقة عالية، مثل قنابل JDAM وصواريخ هيلفاير. هذه الأسلحة استخدمت في ضربات مدمرة على مواقع مدنية في غزة ولبنان، مثل قصف مركز الإيواء في حي الدرج في غزة ومبنى في كفر كلا بلبنان.
• قنابل MK-84 وJDAM: تُعتبر هذه القنابل من بين أكثر الأسلحة فتكًا في الترسانة الإسرائيلية، حيث تتميز بقدرتها على تدمير الأهداف بدقة متناهية. خلال الأسبوع الماضي، استخدمت إسرائيل هذه القنابل في قصف مركز الإيواء في حي الدرج، مما أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص وجرح مئات آخرين.
• صواريخ هيلفاير R9X: طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة المزيد من هذه الصواريخ الدقيقة والمدمرة، التي اكتسبت شهرة بعد استخدامها من قبل الجيش الأمريكي في قتل زعيم تنظيم القاعدة السابق أيمن الظواهري. هذه الصواريخ تميزت بقدرتها على إصابة الأهداف بدقة شديدة مع تقليل الأضرار الجانبية، مما يجعلها مثالية لضرب الأهداف في مناطق مكتظة بالمدنيين.
الدولة العميقة وشركات السلاح: المحرك الخفي للحرب
تعد شركات السلاح الأمريكية من أبرز الجهات المستفيدة من استمرار الحرب. هذه الشركات، مثل لوكهيد مارتن ورايثيون وبوينغ، ليست فقط موردًا رئيسيًا للأسلحة، بل إنها تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل سياسات الحكومة الأمريكية.
• الاستفادة الاقتصادية: الحرب تعني طلبًا متزايدًا على الأسلحة، مما يترجم إلى أرباح ضخمة لهذه الشركات. على سبيل المثال، ارتفعت أسهم لوكهيد مارتن بنسبة 10.65% منذ بداية الحرب، في حين شهدت شركة RTX (رايثيون سابقًا) ارتفاعًا بنسبة 13.46% في أسهمها.
• التأثير على القرار السياسي: العديد من قادة هذه الشركات يشغلون مناصب مؤثرة في الدولة العميقة، مما يسمح لهم بالتأثير على القرارات السياسية التي تخدم مصالحهم. يُعتبر جريج هايز، المدير التنفيذي لشركة RTX، عضوًا مؤثرًا في مجموعة الضغط Business Round Table، التي لعبت دورًا محوريًا في دعم سياسات الحرب الأمريكية في الماضي.
التذبذب السياسي الأمريكي: بين المواقف العلنية والدعم السري
تتسم المواقف الأمريكية تجاه الحرب على غزة ولبنان بالتذبذب، حيث يظهر السياسيون الأمريكيون علنًا كمدافعين عن حقوق الإنسان والسلام، بينما يستمرون في تقديم الدعم العسكري لإسرائيل.
• موقف بايدن: رغم الضغوط الداخلية والخارجية، استمر الرئيس الأمريكي جو بايدن في تقديم الدعم العسكري لإسرائيل، مبررًا ذلك بحقها في الدفاع عن نفسها. ومع ذلك، أوقف بايدن شحنة من القنابل الثقيلة بعد الضغط الشعبي، لكنه عاد وأرسل أسلحة أخرى، مما يعكس التناقض في السياسة الأمريكية.
• استخدام الفيتو: استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو مرارًا لحماية إسرائيل في مجلس الأمن، مما يمنع أي محاولات لوقف الحرب أو فرض عقوبات على إسرائيل. هذا التصرف يعكس التزامًا أمريكيًا عميقًا بدعم إسرائيل، حتى على حساب السلم العالمي.
الخاتمة: مصالح الدولة العميقة على حساب الاستقرار
يتضح من تحليل الدور الأمريكي في حرب غزة ولبنان أن هناك رغبة قوية لدى الدولة العميقة في الولايات المتحدة، بدعم من شركات السلاح، في إطالة أمد الحرب. هذه الرغبة تغذيها الأرباح الاقتصادية الهائلة التي تحققها شركات السلاح، والتأثير السياسي الذي تملكه هذه الشركات داخل واشنطن. على الرغم من التصريحات العلنية التي تدعو إلى السلام، فإن أفعال الولايات المتحدة على الأرض تؤكد استمرار دعمها للحرب، مما يساهم في تعميق الأزمة الإنسانية في المنطقة.