قصة المثل الشامي “عاملة السبعة وذمتها”
كثيراً ما نكرر الأمثال الشعبية في حياتنا اليومية دون أن ندرك تمامًا معانيها أو القصص الكامنة وراءها. قد يكون المثل بحد ذاته معبرًا وملهمًا، لكن القصة التي تقف وراءه غالبًا ما تكون أكثر روعة وتحمل معها دروسًا وقيمًا تصلح لكل زمان ومكان. من هذه الأمثال الشائعة في بلاد الشام مثل “عاملة السبعة وذمتها”.
يعود هذا المثل إلى زمن الوالي العثماني المصلح مدحت باشا في دمشق. في ذلك الوقت، كانت هناك خياطة ماهرة تُدعى ميرفت، تعيش في حي القنوات بدمشق. كانت ميرفت مشهورة بشطارتها وحرفيتها العالية، حيث كان الناس يسافرون حتى من مناطق بعيدة مثل الميسات والمهاجرين لتخيط لهم ملابسهم.
مع الإصلاحات التي قام بها مدحت باشا، بدأت تصل إلى دمشق صور الملابس الأوروبية، وكانت الموضة الرائجة في ذلك الوقت هي الفساتين ذات “القبة السبعة” المفتوحة. كانت ميرفت أول من تعلمت كيفية خياطة هذه الفساتين، مما زاد من شهرتها وجعلها مقصدًا للنساء اللواتي كن يبحثن عن أحدث صيحات الموضة.
لكن الموضة لم تقف عند هذا الحد. بعد فترة من الزمن، تغيرت الاتجاهات وأصبحت الفساتين ذات “القبة السبعة” المزمومة هي الرائجة. كانت هذه الفساتين أصعب بكثير في الخياطة، ولم تكن هناك خياطة في دمشق تعرف كيفية خياطتها باستثناء ميرفت. وهكذا، ازدادت شهرتها أكثر فأكثر، وصارت النساء تتدفق على دكانها لتفصيل هذه الفساتين.
عندما كانت النساء يأتين إلى دكان ميرفت ويسألن عما إذا كانت تستطيع خياطة الفساتين “القبة السبعة” المزمومة، كان الرد يأتي: “عاملة السبعة وزمتها”. أي أنها لم تكن فقط متمكنة من خياطة القبة السبعة المفتوحة، بل أيضًا المزمومة، وهو ما جعلها خياطة فريدة من نوعها في دمشق.
منذ ذلك الوقت، أصبح هذا المثل يتداول في الشام، واكتسب معناه الحالي الذي يُستخدم لوصف شخص يتقن عملاً صعبًا أو يقوم بإنجاز كبير ومعقد. القصة التي تقف وراء المثل تضفي عليه عمقًا إضافيًا، وتجعله جزءًا من التراث الشعبي الذي يعكس تطورات الحياة اليومية في دمشق في تلك الفترة.
في النهاية، تعكس هذه القصة قدرة الإنسان على التكيف مع التغييرات وإتقان المهارات الجديدة، وهي تذكير دائم بأن التفوق يتطلب الجهد والإبداع في مواجهة التحديات.
ريما فارس