اخبار ومتفرقات

اطمئن ،لا نشبه بعضنا…

كل الذين كانوا هنا ،اختفوا،ابتعدوا في كل اتجاهات الكون الا انا بقيت انتظر موسم نضج حبات الزيتون في الكرم.

كلّ الذين كانوا معي تفرّقوا واشتروا زيتوناً جاهزاً في بلاد المهجر الا انا بقيت هنا ازيّن صحن اللبنة البلدية بحبوب زيتون أخضر و اسود من كرم ورثته من اهلي.

لم نختر المصير نفسه.

انا اشجع أولادي على السفر والنجاة بحدّ أدنى من الخسائر من هذه البلاد و رفاقي يأتون البلاد في كل صيف كي يتعلّق أبنائهم بإنتمائهم متأملين ان يعودوا ليعيشوا هنا.

لا بل يأتون ببناتهم لعلهنّ يتزوجن من شاب بلديّ كاللبنة والزيتون والمرقوق.

انا الذي اظن رفاقي بخير هناك يحسدوني اني صمدت وعشت وكبرت واضعت عمري هنا.

لا عمر هناك.

هناك زمن وهنا العمر.

نحن ورغم مأساتنا نعيش عمرنا اما هناك فشبّه لهم انهم في العمر وهم في الزمن.

لا يعيش الموز في الجرد والبرتقال لا يفرح الا عند الساحل.

لا ترضى السمكة ان تبدّل البحر بالجوّ مع عصفور والعصفور يحب ان يشاهد البحر إنما يرفض ان يعيش فيه.

لا نشبه بعضنا.

مصيرنا لم يكن واحداً،منّا مَن قرر ان يزيد تراب بلاده ترابا من جثته و ان يزيد النهر ماء من دم شهادته و ان يزيد القصيدة او الزجل كلمة من آهاته وهناك من يعيش على سماع موّال بلدي ويبكي اشتياقا للقائه “الكشك” في الغربة.

نحن الغربة في الوطن هنا وهم الوطن في الغربة هناك.

نحن المجدرة الحمراء والصفراء وسلطة الملفوف و الفلافل ،نحن الششبراك وهم السباغيتي في الصحون .

فعلا لا نشبه بعضنا فمنّا من يهزّ كيانه وقوع الظلم على اي اخ في الانسانية في هذا العالم ويحاول قدر إستطاعته إنقاذ المظلوم وهناك من لا يعنيه البكاء ونداء الاستغاثة ويتلوّن كالحرباء بلون مكانه أينما وطأت قدماه لعلّه ينجو من الواجب.

نحن الواجب حتى ولو رغماً عنّا.

ربما كي تنجو عليك أن تكون حرباء.

حاولت ان اكون حردوناً فشلت.

لم ارتق لرتبة حرباء او حتى عاهرة.

حتى اني فشلت ان اكون منافقاً.

هل حاولت انت؟

لن تستطيع ،مثلك حتى بدور العاهرة يفشل،خُلقت من طين محليّ ومن دم احمر من توت الضيعة ومن روح هواء منعش في فصل خريف بلادك.

انت الفصول الأربعة تولد هنا في الربيع وتموت هنا في الشتاء.

لا فصول في حياة الذين هاجروا واقسموا ان لا يعودوا.

بل يعودون في صناديق خشبية محكمة الإقفال كي لا يسرق لص الجثة ليبيعها لطبيب ليعلّم طلابه فنون تشريح مهاجر هارب طلبا للنجاة.

لا ينجو احد.

لا هنا ولا هناك. 

مَن جمع مالا ولو قليلا عليه ان يعود من حيث هرب لعله ينجو.

ربما ايضا لا ينجو.

لا نشبه بعضنا إنما المصير واحد.

منّا من اختار ان يموت وان يدفن طازجاً ومنّا من فضّل ان يموت وان يدفن عتيقاً شبه محنّطاً.

لا نشبه بعضنا حتماً.

#د_احمد_عياش.

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي موقع سانا نيوز شكرًا على المتابعة. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى