في جنوب لبنان، حيث تختلط ألوان الطبيعة بروح المقاومة والصمود، يتجسد نموذج حي للتعايش والوحدة الوطنية بين اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين على حد سواء. هذا التماسك الذي يتخطى الحدود الدينية والطائفية، ظهر جليًا في مأساة جديدة عندما استهدفت آلة العدوان الإسرائيلي بلدة دردغيا الجنوبية. هناك، اختلط الدم المسيحي مع الدم المسلم، في صورة تعبر عن التضحية والتكاتف من أجل الوطن.
في الأيام الأخيرة، تعرضت بلدة دردغيا لهجوم وحشي استهدف عناصر الدفاع المدني ورجال الإطفاء والإسعاف الذين كانوا يؤدون واجبهم الوطني والإنساني في إنقاذ الأرواح وإخماد الحرائق الناتجة عن القصف. العدو الإسرائيلي، الذي لم يفرق بين إنسان وآخر، استهدفهم بشكل مباشر، ما أسفر عن سقوط شهداء من المدنيين والمسعفين، لتختلط دماء المسيحيين والمسلمين في ملحمة جديدة من الصمود.
هذا الاستهداف لم يكن مجرد عمل عسكري ضد المقاومة أو المنشآت، بل هو اعتداء على الإنسانية جمعاء، وعلى وحدة الشعب اللبناني الذي وقف على مر التاريخ جنبًا إلى جنب في وجه المعتدين. بلدة دردغيا، التي تعتبر نموذجًا للتعايش بين مختلف الطوائف، أصبحت اليوم شاهدة على مدى قسوة العدو الإسرائيلي، الذي لا يتوانى عن استهداف كل من يقف في طريق أطماعه، حتى أولئك الذين يعملون لإنقاذ الأرواح وإطفاء النيران.
رغم القصف والدمار، ورغم سقوط الشهداء من الدفاع المدني، يبقى الجنوب اللبناني، بمسيحييه ومسلميه، صامدًا في وجه العدو. هذه الأرض التي شهدت على مر العقود الكثير من الاعتداءات، لكنها دائمًا ما كانت تخرج من كل معركة أكثر قوة وتماسكًا. اليوم، يُظهر اللبنانيون مرة أخرى أن دماءهم واحدة، وأن مصيرهم مشترك، مهما حاول العدو تفريقهم.
لقد أصبح الجنوب، وبالتحديد بلدات مثل دردغيا، رمزًا للوحدة الوطنية اللبنانية. ففي تلك اللحظات المأساوية التي يفقد فيها الوطن أبنائه بسبب قصف العدو، تجد أن المسيحي يقف إلى جانب المسلم، والمسعف يمد يد العون لجاره دون النظر إلى ديانته، بل كل ما يهم هو الحفاظ على الوطن والإنسانية.
هذا التكاتف بين أبناء الجنوب، وبين رجال الإطفاء والإسعاف، هو رسالة قوية للعدو الإسرائيلي وللعالم أجمع. رسالة مفادها أن لبنان، رغم كل محاولات الفتنة والتفرقة، سيبقى متماسكًا بوحدته الوطنية، وسيظل أبناؤه مستعدين للتضحية بالغالي والنفيس من أجل حماية أرضهم وشعبهم.
في النهاية، تظل دماء الشهداء الذين سقطوا في دردغيا، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، شاهدة على أن العدو لا يفرق بين اللبنانيين، وأن الشعب اللبناني بكل طوائفه سيبقى صامدًا في وجه كل من يحاول المساس بأمنه واستقراره. لبنان، الذي لطالما كان بلدًا للتعايش والحب، سيظل قويًا بوحدة أبنائه وبقدرتهم على التصدي لكل تحدٍ يواجهونه، وسيبقى الجنوب رمزًا للصمود والوطنية.
سنا فنيش