العدو بحجة الاغتيال يقتل الأبرياء ويستهدف المباني السكنية المكتظة بالسكان المدنيين، دون تمييز بين المقاتلين والمدنيين، متذرعًا بأن هناك إمكانية وجود شخص مستهدف بين تلك الحشود. هذه العمليات الوحشية لا تفرق بين الأطفال والنساء وكبار السن، وتأتي تحت غطاء محاربة الإرهاب أو استهداف أشخاص بعينهم، دون اعتبار لتأثيرها المدمر على الأبرياء.
مثل هذه الهجمات لا تهدف فقط إلى تحقيق أهداف عسكرية مزعومة، بل تسعى أيضًا إلى نشر الخوف والرعب بين المدنيين، وتدمير البنية التحتية للمجتمعات، مما يزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية الكارثية في المناطق المستهدفة. ما يزيد الأمر سوءًا هو غياب المحاسبة الدولية الجادة لهذه الجرائم، حيث تظل هذه الأفعال غالبًا خارج نطاق العقاب الدولي، مما يشجع على تكرارها دون رادع.
التذرع بوجود هدف محدد في منطقة مليئة بالسكان المدنيين لا يبرر أبدًا هذه الجرائم. فالمدنيون ليسوا وقودًا للحروب، ولا يجب أن يكونوا ضحايا لسياسات عدائية تعتمد على القوة العمياء ..
إن المجتمع الدولي مطالب بتحمل مسؤولياته والضغط لوقف مثل هذه العمليات التي لا تتوافق مع القوانين الإنسانية والدولية، وتؤدي إلى تدهور الأوضاع وزيادة العنف والأحقاد في المنطقة.
هذا ما حصل بالأمس في منطقة رأس النبع، في قلب العاصمة بيروت. لم يسقط ضحايا سوى الأطفال والأبرياء من السكان الأصليين للمنطقة، من مختلف الطوائف اللبنانية. الضربات استهدفت منازل عائلات عاشت لسنوات طويلة في هذه الأحياء التي تجسد تنوع لبنان ووحدته، بعيدًا عن الانقسامات السياسية والصراعات المسلحة.
العائلات اللبنانية من كافة الطوائف تعيش في رأس النبع بتآلف وسلام، ولكن هذه الهجمات الوحشية لم تفرق بين أحد، لتترك خلفها مشاهد مروعة من الدمار والموت، وتُفقد العائلات أحباءها في لحظة. في هذه الفاجعة، الأطفال هم من دفعوا الثمن الأكبر، حيث لم يكن لهم دور في أي صراع، بل كانوا يعيشون حياتهم اليومية البريئة، قبل أن تأتي النيران لتخطف أرواحهم.
هذه الأحداث المأساوية تذكرنا بأن الصراعات السياسية لا تؤدي سوى إلى تفاقم المعاناة الإنسانية، وأن المدنيين هم الضحايا الحقيقيون، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو السياسية. إن هذه الجرائم، التي لا تعرف حدودًا أو ضحايا، تساهم فقط في زيادة حدة التوتر وتغذية دوامة العنف التي لا يبدو أنها تنتهي، مما يجعل الحلول السياسية والمصالحة بين جميع الأطراف ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى.
في خضم هذه المأساة، تبرز الحاجة إلى وقفة دولية جادة لمحاسبة المعتدين ووضع حد لهذه السياسات التي تنتهك الحقوق الأساسية للإنسان، وتحرم المجتمعات من حقها في العيش بسلام وأمان. يجب أن تتوقف هذه الجرائم البشعة، ويجب أن يكون هناك تحقيق دولي شفاف للوقوف على الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها، فبدون العدالة لن يكون هناك أمل في سلام دائم ومستدام في المنطقة.
سنا فنيش