اقلام

العالم يصغي إلى كلام الشيخ قاسم، والصراع سينقلب اسرائيلي اوروبي امريكي، لا مكان لهزيمة ايران وحزب الله.

العالم يصغي إلى كلام الشيخ قاسم، والصراع سينقلب اسرائيلي اوروبي امريكي.
بقلم: ناجي أمّهز

أعرف أن مقالاتي غريبة قد يرفضها بعض الشيعة الذين ألفوا سماع الكلمات التي يطلقها الكثير من الإعلاميين الذين يتوعدون ويُبهِرون 24/24 بأسلوب جعل حتى أصوات الحكمة، وما أكثرها في المقاومة، تصبح خافتة أمام زحف جَرّار بسبب مؤسسات إعلامية تستضيف هؤلاء الذين لا علم لهم إلا بالزجل والقصائد.

وقد وصلت مشكلة الطائفة الشيعية إلى أنهم يعتقدون أن النصر يكون بمثل هذه الترهات الإعلامية، مع العلم بأن العدو الإسرائيلي والدول الكبرى لا تُقيّم قوة العدو أو ضعفه من خلال الإعلام، بل مما تستقيه من معلومات استخباراتيّة تبين أنها أصبحت معقدة أكثر من الحمض النووي للأشخاص.

لذلك، مقالي ليس موجهًا للعامة، بل إلى النخب وصناع القرار أو الذين يهتمون ببعض القراءات الغريبة بأبعادها السياسية والاجتماعية الاقتصادية فيما يتعلق بتوازن الصراعات وتقاطع المصالح الدولية، ونشوء الكيانات.

مما يعني بأنني سأطرح كل الفرضيات بإيجاز كبير، أسوة بما يطرحه الإعلام والساسة الإسرائيليون. كما يعلم الجميع، فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تملك برنامجًا نوويًا عسكريًا، حيث يُقدّر أن في ترسانتها ما لا يقل عن 100 رأس نووي. كما تمتلك إسرائيل معدات عسكرية ضخمة وحديثة، فلديها أكثر من 2200 دبابة، و530 مدفعًا من مختلف الأنواع والقدرات، و339 مقاتلة، بما في ذلك 309 طائرات هجوم برية مقاتلة تتوزع بين “إف 16″ (F16) و”إف 15″ (F15) و”إف 35” (F35)، ومروحيات هجومية من طراز أباتشي، ولديها 5 غواصات، و49 سفينة قتال ودوريات بحرية. ومع ذلك، تتصنع الضعف وتعلن دائمًا عن حاجتها إلى استيراد المزيد من الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، كما أنها الأنجح في مجال الاستخبارات.

ومع أن جيش العدو الإسرائيلي من أكثر الجيوش التي خاضت الحروب واحتلت العديد من الجغرافيا في أكثر من دولة عربية، ما زال حتى هذه الساعة يسمي جيشه بجيش الدفاع الإسرائيلي، مع أنه جيش هجومي يسفك ويقتل ويدمر كل شيء يظهر في وجهه.

وأمام هذه الآلة العسكرية أو الدولة العسكرية المسماة إسرائيل التي تسقط أمامها كافة الدول العربية بساعات وحتى أوروبا، برزت المقاومة كقوة نضال وتحرير، واستطاعت بعزم وإيمان راسخ كرسوخ الجبال أن توجه الكيان الإسرائيلي مرات ومرات، وأن تسجل العديد من الانتصارات التي لا يمكن نكرانها أبدًا.

لذلك، الجميع يعترف بأن حزب الله ليس ضعيفًا، بل هو أقوى مما يتخيل البعض، وبإمكانه، من خلال التجربة السابقة، أن يخوض حربًا قد تستمر لعقدين من الزمن دون أن يتراجع عن شرط واحد من شروطه الكبرى التي وضعها كأهداف استراتيجية، في مقدمتها تحرير فلسطين.

لذلك، ما سأكتبه سيكون قراءة مختلفة عن مقاييس القوة والضعف، بل هو في علة وجود التوازن الدولي الذي أوجدته النواميس السياسية.

في الحروب، هناك دائمًا ربح وخسارة، القوي هو ربما من يخسر معركة لكنه لا يخسر الحرب. وإسرائيل، رغم تأثيرها وحجمها الدولي، قبلت بتطبيق هذه المنطق عندما رضخت لهزيمتها في جنوب لبنان واعتبرت أنها خسرت معركة لكنها لم تخسر الحرب، لذلك حاولت مرة ثانية في حرب 2006، واليوم تحاول بناءً على تجارب سابقة خاضتها مع حزب الله. وإن كان اليوم هناك عوامل كثيرة ومتعددة تساعد الكيان الإسرائيلي في حربه على حزب الله، أهمها أن غالبية الدول والشعوب العربية لم تعد معنية أبدًا بالقضية الفلسطينية، بل حتى الحكومة الفلسطينية نفسها غير معنية بما يجري في غزة، إضافة إلى عوامل نفسية سلوكية خطيرة للغاية، ومنها أنه رغم كل ما يجري في غزة من قتل ودمار، لم يُسجل أي حراك او اعتراض شعبي عربي ولا حتى على المستوى الفني.

هناك من يقول إن إسرائيل كانت على دراية كاملة فيما يتعلق بالرأي العام العربي وأنه تخلى عن فلسطين، لذلك أقدمت على قتل أكثر من 60 ألف إنسان في غزة، غالبية منهم من الأطفال والنساء، وهي تعلم أنه لن يسكر لها حتى مكتب سفريات في الدول العربية.

اليوم، وصلنا إلى هنا، ومن حق حزب الله خاصة ومحور المقاومة عامة أن يعيد تقييم قراءاته، وأن يضع أفكارًا سياسية جديدة تناسب المتغير العربي ككل، مع العلم بأن حزب الله قدم الكثير في سبيل الدفاع عن فلسطين وغزة حتى استشهاد غالبية قياداته من الصف الأول، في مقدمتهم أمينه العام الشهيد سماحة السيد نصر الله، الذي لم يبخل بتقديم نفسه وفلذة كبده على طريق القدس.

إذاً، هذه القراءة التي بدأ يتحدث عنها سماحة الشيخ نعيم قاسم، وهي سياسية من أجل فتح باب النقاش أمام الجميع، ليست ضعفًا أو تراجعًا بل هي أمر مطلوب في العمل الدولي وأروقة صناعة القرار على مستوى المنطقة والعالم.

مما يعني بأن حزب الله، حتى في عمق الحرب، يصنع تطورًا جديدًا وينجز الكثير مما يسمح بالتقدم إلى الأمام ووضع استراتيجيات تتناسب مع المتغير بالمنطقة، خاصة على أعتاب انتخابات رئاسية أمريكية قد تؤثر على المجريات العالمية.

كما أن عدم حديث حزب الله في السياسة ينتج مشكلة كبيرة للغاية، لأن أي عمل عسكري لا يواكبه نشاط سياسي مهما كان حجمه ستكون نتائجه كارثية.

لذلك نتنياهو محكوم بالفشل لانه حتى هذه الساعة لا يوجد لديه مشروع سياسي.

اليوم، المطلوب هو النظر إلى دور حزب الله في لبنان والمنطقة بعدما أثبت حزب الله أنه بمعنى أو آخر أقرب إلى الدولة كتركيبة قيادية وقتالية.

فإن كان المطلوب كما يعتقد أو يتوهم البعض إنهاء دور حزب الله، فهذا الأمر غير وارد أبدًا، خاصة أن حزب الله ليس حزبًا بل هو أمة بكل ما في الكلمة من معنى، والأمم لا تُهزم.

كما ان سماحة الشيخ نعيم قاسم طرح الحل التالي وهو وقف إطلاق النار، ومع وقف إطلاق النار، الكيان الإسرائيلي هو حر بأن يعيد المستوطنين إلى حيث كانوا في شمال فلسطين، بالمقابل، فإن حزب الله أيضًا عليه الاهتمام بأمته وبيئته.

طرح سماحة الشيخ نعيم قاسم لا يعتبر تراجعًا أو ينقص واحد بالمليون مما قرره الشهيد سماحة السيد حسن نصر الله، بل هي رؤية جديدة تضع لماستها القيادة الجديدة في حزب الله.

وحتماً، هذه الرؤية هي سياسية عسكرية اجتماعية إعلامية وعلى مستوى الحوار بالداخل، والخطاب السياسي الذي يجب أن يتماشى مع طبيعة المرحلة الجديدة.

ويجب علينا جميعًا أن نساعد في إنتاج سياسي جديد، فالدول الكبرى مرت بأزمات أضعاف مضاعفة مما يجري اليوم من حرب بين العدو الإسرائيلي وحزب الله. الإمبراطور نابليون بونابرت في 1799 تراجع عن احتلال عكا، لكن ربح فرنسا إلى اليوم، لأن النخبة السياسية قدمت له الحلول البديلة عن المعارك العسكرية.

بالمقابل، فإن تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الذي انتصر في الحرب العالمية الثانية، فإنه خسر معركته السياسية، كون الناخبين البريطانيين تخوفوا منه ووصفوه بقائد الحرب.

مما يعني في السياسة بأن حزب الله لم يخسر ونتنياهو لم يكسب المعركة، بل ربما تكون نهاية نتنياهو هي خسارة كخسارة تشرشل.

وأيضًا، باستشهاد زعيم حزب الله تكرس كزعيم أممي أكبر بكثير من مشرق الأرض، حيث يُعتبر اليوم سماحة السيد نصر الله الزعيم الأكثر إنسانية في التاريخ الحديث، والبطل الأسطوري الذي لا يقل مكانة وأهمية عن أعظم قادة خلال 500 عام.

بالمقابل، فإن نتنياهو هو اليوم يمثل وجه الشر والخطر على الاستقرار العالمي، وقد صدرت بحقه أحكام وانتقادات دولية أكدت أنه مجرد مجرم حرب.

يعني إسرائيل، في البعد الاعلامي والسياسي، هي دولة مهزومة بالمطلق، والمزيد من القتل والدمار وارتكاب المجازر في لبنان وغزة لن يحقق لها أية نتائج تمكنها من الفوز.

بل ربما يقوم الليبراليون الإسرائيليون بتقديم الكثير من الدعم المالي لغزة وللبنان بطريقة غير مباشرة او عبر دول عربية من أجل محاولة محو ما ألحقه نتنياهو بهم من وصمة عار لأجيال قادمة.

وهنا يأتي السؤال: من مصلحته إنهاء دور حزب الله السياسي والعسكري؟

أمريكا، بشقيها الجمهوري والديمقراطي، وبناءً على آلاف الصفحات من الدراسات الاستراتيجية التي وضعت منذ عقود مع قيام النظام العالمي، تؤكد أنه لا يمكن تقزيم دور إيران. فإيران تشكل ضرورة تكوينية في المنطقة والعالم. لذلك، عندما أسقطت أمريكا الديكتاتور صدام حسين وحركة طالبان، كانت تعلم أن إيران ستكون المستفيد الأكبر.انما العقل السياسي الغربي يدرك أن إيران هي إمبراطورية عظيمة تتمتع بكافة مقومات الحكم، بينما باقي الأنظمة في المنطقة هي أنظمة هجينة، والغرب يؤمن بان عدو عاقل خير الف مرة من حليف جاهل بنظام سياسي غير مستقر.

وعندما سئل هنري كيسنجر عن الاتحاد الأوروبي، لمح إلى أنه اتحاد هجين لا يمكنه الصمود لساعات أمام أي حرب كبرى، لأنه يتكون من عرقيات وإثنيات مختلفة. وبالتالي، لا أمل للاتحاد الأوروبي في هزيمة روسيا الاتحادية، التي تتألف من شعب أصيل في انتمائه وعرقه ولغته الموحدة ، واختيار اوكرانيا لزجها بصراع مع روسيا الاتحادية هو بسبب نظرية كيسنجر هذه.

هذا التلميح ايضا يشير إلى أن إيران أقوى من أوروبا، ولذلك لضمان توازن طبيعي يحمي أوروبا لأطول فترة ممكنة، يجب أن تبقى إيران هي الأقوى في منطقة الشرق الأوسط.

حتى الصين تدرك ان خط الحرير خط المواصلات البرية القديمة الممتد من الصين وعبر مناطق غرب وشمال الصين وآسيا كلها إلى المناطق القريبة من أفريقيا وأوروبا، سيموت بمهده بحال تراجع الدور الايراني، لذلك تسعى الصين جاهدة لدعم ايران باساليب لا تستفز او تعتبر تجاوز للدور الامريكي.

لكن أمريكا تواجه مشكلة واحدة مع إيران. فهي تريد أن تمتلك إيران القنبلة النووية لتحقيق توازن مع القنبلة النووية السنية التي تمتلكها باكستان، لكنها لا تريد لإيران أن تمتلك القنبلة في ظل صراعها مع إسرائيل.

في المقابل، إيران مصرة على إنهاء الدور الإسرائيلي في المنطقة، وأمريكا تدرك أن قوة إسرائيل لا تعادل قوة إيران من حيث عدد السكان، فإيران تضم حوالي 90 مليون نسمة، ومساحتها تبلغ 1,648,195 كيلومترًا مربعًا.

لذلك، تسعى أمريكا إلى الضغط على إيران بكافة الوسائل في محاولة لوقف صراعها مع إسرائيل. وتعتقد أمريكا أنه في حال توقف هذا الصراع، فإن الدور الإسرائيلي سيتقلص بشكل طبيعي في الشرق الأوسط وأيضًا في الولايات المتحدة، مما سيسمح بتحرر السياسة الأمريكية من سيطرة اللوبيات الصهيونية.

وما ينطبق على إيران يمتد أيضًا إلى حزب الله. فالعالم الغربي، وأمريكا ، لا يريدون إنهاء دور حزب الله، خاصة بعد موجات الهجرة من الشرق الأوسط إلى أوروبا. هناك تخوف حقيقي من ظهور الإسلام التكفيري في أوروبا، مما يعني بداية زعزعة الاستقرار العالمي، كما ان دور حزب الله القوي والفاعل يساهم باخضاع سلطة الكيان الاسرائيلي الى بعض الرغبات الاوروبية والامريكية، “احد الساسة الاوروبيين قال: لنتصور ان حزب الله غير موجود فلا اعتقد بان سيمسح لنا حتى برؤية يهودي واحد او حتى سيزورنا يهودي واحد ليطلب منا بل سياتي ليأمرنا ويملي علينا ماذا نفعل وماذا لا نفعل”.

وجميع صناع القرار العالمي يجمعون على أن الشيعة هم الفئة الأكثر اعتدالًا ووسطية في قارة آسيا، وأن دورهم في حفظ التوازن العالمي هو ضرورة لا بديل لها.

لكن اليمين الإسرائيلي المتطرف يصرح بأنه لا داعي للخوف من التطرف الإسلامي، لأنه هو من دعم هذا التطرف وسيطر عليه، ويستطيع أن يضمن الاستقرار في أوروبا شرط حصوله على كيان خالٍ من الفلسطينيين. بالمقابل، العالم يجد صعوبة في تقبل طرد 4 ملايين فلسطيني خارج فلسطين، مما يشكل حالة من الفوضى لا يمكن التنبؤ بعواقبها.

كما أن الأوروبيين يدركون أن الدول والشعوب العربية لا ترغب في أي تفاعل سياسي، وقد تنازلت عن دورها لصالح التطرف الإسلامي، أو أنها بانتظار ظهور حراك إسلامي متطرف آخر، كالذي حصل خلال الحرب الروسية الأفغانية، أو كما حدث مع بن لادن وأحداث 11 سبتمبر، واستهداف البعثات الدبلوماسية، أو حتى العمليات الجهادية داخل أوروبا.

ومع كل هذه التعقيدات في السياسة العالمية، التي لا يوجد فيها مكان للعرب، تدور اليوم حرب يحاول فيها حزب الله الحفاظ على الدور العربي.

لكن للأسف، العقل العربي قاصر جدًا عن فهم القراءات الدولية الكبرى. كما أن لبنان، الذي كان يصنع سياسة الشرق الأوسط، أصبح اليوم غير قادر على الإمساك بخيوط اللعبة بشكل كامل والانطلاق إلى دور لبناني كبير في المنطقة. لذلك، يتلهى اللبنانيون بصراعات إعلامية هنا أو معارك رئاسية هناك، أو حتى حول تشكيلات وزارية وتعيينات وظيفية.

بعض الشخصيات الدولية تشير إلى أن ما يعرفه وليد جنبلاط عن المشهد العالمي قد باح به أمام بعض الساسة الموارنة. كما أن هناك جزءًا من الموارنة على اطلاع بهذا المتغير العالمي، وهم يسعون إلى تكريس الأجواء الوطنية. في النهاية، يدرك الماروني أنه لا يستطيع الاستمرار في المنطقة دون الشيعي، كما أن الشيعي لا ينافس الدور الماروني في الاقتصاد والدبلوماسية العالمية. هذا التفاهم يسمح باستعادة الدور الماروني على مستوى المنطقة والعالم، كما كان في حقبة الخمسينيات.

في الختام، المعركة العسكرية في بدايتها ويجب إيجاد حراك سياسي. أعتقد أن العالم بدأ يصغي لما يقوله حزب الله سياسيًا. أو بالأحرى، يمكن القول إننا على مشارف ولادة حراك سياسي لحزب الله، لأول مرة منذ نشأته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى