لأن الصراع في لبنان لا يتعلق فقط بالميدان العسكري، بل هو امتداد لحسابات سياسية واستراتيجية متشابكة. إسرائيل تعتقد أنها تستطيع فرض شروط الحل النهائي على حزب الله من خلال التفوق العسكري والقصف الممنهج، بينما حزب الله مقتنع بقدرته على الصمود في الجنوب اللبناني. هذا الصمود يترافق مع تهديدات محسوبة تستهدف الداخل الإسرائيلي، مما يمنحه القدرة على إطالة أمد النزاع وتغيير مواقف إسرائيل في نهاية المطاف.
إسرائيل دفنت قرار 1701 في شكله الحالي، ولم تعد ترى فيه أي جدوى لتحقيق أمنها. بل تسعى لتطبيق نسخة معدلة منه تتضمن شروطًا أشد قسوة، مثل الحد من قدرة حزب الله على التحرك وفرض رقابة صارمة على الجنوب. في المقابل، حزب الله يناور بهدف التحايل على القرار، إذ يسعى إلى وقف إطلاق النار مع الحفاظ على وجوده العسكري في الجنوب، كما فعل طوال السنوات التي أعقبت حرب تموز 2006.
تستمر الحرب لأن كلا الطرفين يعتمد على الوقت كعامل حاسم. إسرائيل تأمل أن الضغوط العسكرية المستمرة قد تُضعف حزب الله، وتدفعه إلى القبول بشروط جديدة تخدم مصلحتها الأمنية. وفي الوقت ذاته، يراهن حزب الله على أن الصمود والمقاومة على الأرض قد يفرض على إسرائيل إعادة حساباتها السياسية والتوجه نحو مفاوضات عبر القنوات الدبلوماسية.
الوضع معقد أكثر من مجرد مواجهة عسكرية؛ إنه يتعلق بمعادلة إقليمية أكبر تضم العديد من اللاعبين الدوليين والإقليميين. إسرائيل لا تستطيع القبول بحزب الله كقوة عسكرية مستقلة على حدودها الجنوبية، في حين أن حزب الله يرى في سلاحه ضمانًا للدفاع عن لبنان ضد أي عدوان إسرائيلي محتمل.
إسرائيل، بسعيها لتعديل قرار 1701، تأمل في تقليص قدرات حزب الله ونزع أي شرعية عن وجوده المسلح في الجنوب. وفي المقابل، حزب الله يرفض أي تغيير قد يقلل من قدرته على التحرك. هذه المعادلة الصعبة هي التي تبقي الحرب مستمرة، حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية قبل أي تسوية محتملة.
العامل الدولي يلعب دورًا كبيرًا أيضًا. فالضغوط الدولية على إسرائيل وحزب الله محدودة، مما يسمح باستمرار الصراع دون تدخل فاعل من الأمم المتحدة أو الدول الكبرى. الأمم المتحدة قد وضعت القرار 1701 كإطار لحل النزاع، لكنه أصبح اليوم ميدانًا للتفاوض أكثر من كونه حلاً فعليًا. وكلما طال أمد النزاع، زادت التعقيدات وازدادت الشروط التي يريد كل طرف فرضها.
في النهاية، الحرب مستمرة لأن الحلول الدبلوماسية ليست جاهزة بعد. الأطراف المعنية لا تزال ترى أن بإمكانها تحقيق مكاسب أكبر عبر المواجهة المسلحة قبل الجلوس على طاولة المفاوضات. هذه المواقف المتضاربة تجعل الدبلوماسية في الوقت الراهن عاجزة عن وقف العنف، مما يعني أن الصراع سيظل مفتوحًا حتى يحدث تحول جذري في حسابات أحد الطرفين.