إذا طالت الحرب أكثر مما طالت، هل يبقى من مأوى للشيعة، ولو في ظل حجر من حجارة منازلهم، ولو في ظل شجرة ترعرعت على وقع الآية القرآنية «ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء» كونهم ضحايا الأزمنة؟ المستشرق الفرنسي جاك بيرك قال لنا “لكأن التاريخ يهملهم عن قصد، ويقتلهم عن قصد”.
كان حديثاً مستفيضاً، وهو على كرسي متحرك في أحد مستشفيات باريس بسبب مشكلة في الظهر. قال “ان مشكلة الشيعة أنهم عشاق القهر. قد لا يستطيعون البقاء الا مقهورين لاعتبارهم أن الحق تعرض للقهر منذ مقتل قايين على يد أخيه، وصولاً الى مقتل الحسين على يد بني قومه”. ولو كان بيرك حياً لقال “… وحتى نبش ضريح الصحابي حجر بن عدي، بيد داعش في ريف دمشق. أما متى تنتهي مشكلتهم فعندما يعقدون الصلح مع التاريخ ويرفعون أصواتهم أمام الملأ، بأنهم لم يعودوا لا ورثة الحق ولا ورثة القهر !
لكن الجغرافيا هي التي تقتلهم ايضاً. صديقنا الدكتور حسن خليل قرأ عليّ من لندن مقالة له يسأل فيها “ماذا كان لأي طائفة أخرى أن تفعل لو وجدت على تخوم «اسرائيل»، وأن تعيش مرارات تلك السنوات تحت حكم ياسر عرفات، قبل أن يحل محله آرييل شارون الذي فعل بأهل الجنوب ما لا تفعله قبائل ياجوج وماجوج”. الآن كيف يمكن وصف ما يفعله بنيامين نتنياهو بشيعة الجنوب، بل وبكل شيعة لبنان، الذين تلاحقهم قنابله حتى في مراكز الايواء حيث الذل العظيم، وحتى في الطرقات…
القاذفات الهائلة لم تترك مقبرة الا وضربتها. نفهم لماذا قتل الأحياء، دون أن ندري ما الغاية من قتل الموتى. انها ثقافة “الحاخامات”، وأنها ثقافة هولاكو التي لن تستطيع مياه دجلة غسلها الى الأبد.
أساساً، لماذا كانت تلك الحرب؟ السيد قال “هذا ليس وقت الساعة الكبرى”. برؤية القائد، قال بإقامة جدار النار كي لا يكون لبنان بعد غزة. العالم يعلم أن حرب تموز تركت في ذاكرة الاسرائيليين جراحاً في الذاكرة، وهم الذين دأب قادتهم على اضرام النار في ذاكرتهم، والثأر من المقاومة من الآن والى قيام الساعة.
الشيخ نعيم قاسم قال بالميدان، حتى تعلو الصرخة هناك في تل أبيب أم هنالك في واشنطن، وقد بدا جلياً مدى التداخل الاستراتيجي والايديولوجي بين هناك وهنالك؟ تفسيرنا حتى تعلو الصرخة في أرجاء الكون. ولكن متى كان للعالم أن يقوم وأن يبقى، لولا الدم؟
ثمة بلدات وأحياء في المدن زالت من الوجود، وثمة حقول لم تعد صالحة لاستضافة أزهار اللؤلؤ ولا حجارة المنازل. انها حوافر أحصنة المغول. لا زرع ولا ضرع…
ما الحل، ونحن في ذلك المكان بين الخنادق والقبور؟ ربما نستطيع رؤية الأشياء بصورة أفضل. ما فعله جو بايدن أنه شق الطريق بجثثنا أمام دونالد ترامب للعودة الى البيت الأبيض، وللمضي في مسيرة التطبيع، وان على وقع الموسيقى الجنائزية، بعدما كان الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري قد تحدث عن الايديولوجيات الجنائزية التي ظهرت في الشرق الأوسط لتكون جدار الغيب بين المجتمعات والقرن.
لكنها الأرض، ولكنهم الأهل. أولئك الأبناء الأبطال االذين وصفوا بـ”عشاق القهر” انما يقهرون القهر. لا أحد في زمن عولمة اللامبالاة يكترث بصرخاتنا وبآلامنا، ليقتصر رهاننا على مساعي آموس هوكشتاين، والآن مسعد بولس لوقف النار. هل يستطيع نتنياهو أن يجر دونالد ترامب وراءه، مثلما كان يجر جو بايدن منذ بداية الحرب، وحتى منذ بدء الولاية وحتى الآن؟
نتنياهو خلع يوءاف غالانت لأنه رجل البنتاغون داخل الحكومة، لنسأل إذا كان الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية، يتلقى تعليماته من تل أبيب لا من واشنطن.
اذاً، رهاننا على دونالد ترامب وتصوروا الذي أطلق صفقة القرن، ونقل السفارة الأميركية الى القدس، واعترف بسيادة اسرائيل على مرتفعات الجولان. لكننا في زمن العجائب. القاتل هو الذي ينقذنا من القاتل. الكاتب الألماني غانتر غراس وصف الشرق الأوسط بـ”كوميديا الآلهة”. الكوميديا الالهية لدانتي شيء آخر.
الرئيس المنتخب، ولدى زيارته مطعماً في ديربورن، قال للبنانيين أيها الرائعون. هل من مكان في رأسه لهؤلاء الرائعين؟؟