لطالما كانت البيئة اللبنانية عرضة للتلوث نتيجة الصراعات العسكرية في المنطقة، وبخاصة في المناطق الحدودية التي تتعرض للمواد السامة نتيجة العمليات العسكرية. من بين هذه المواد، يوجد أنواع خطيرة قد تؤثر بشكل كبير على الصحة العامة، خاصة صحة النساء الحوامل والأجنة الذين يُعتبرون الفئات الأكثر تعرضاً للتأثيرات السلبية لهذه المواد.
المواد السامة المستخدمة وتأثيراتها
تتنوع المواد السامة التي تُستخدم في العمليات العسكرية، وهي تشمل مجموعة من المواد الكيميائية والمعادن الثقيلة التي تؤثر على الصحة. من أبرز هذه المواد:
1. الفسفور الأبيض: يُعتقد أن الفسفور الأبيض يُستخدم في بعض القذائف لخلق ستار دخاني. وعلى الرغم من هدفه التكتيكي، فإنه يُعتبر من المواد شديدة الخطورة. عند التعرض للفسفور الأبيض، يمكن أن يسبب حروقاً شديدة في الجلد، وصعوبة في التنفس، وتلفاً في الأعضاء الداخلية، خاصةً إذا تم استنشاقه أو تلوثت به المياه والتربة.
2. اليورانيوم المنضب: يُستخدم أحياناً في الذخائر بسبب كثافته وقدرته على اختراق المدرعات. لكن تأثيراته السامة تمتد لفترة طويلة، حيث يُعتبر من المواد المسرطنة التي قد تزيد من خطر تشوهات الأجنة عند تعرض الحوامل له، كما قد يؤدي إلى اضطرابات عصبية ومشاكل صحية مزمنة للأطفال المولودين من أمهات تعرضن له.
3. مواد كيميائية أخرى: بعض الغازات أو المواد الكيميائية تُستخدم في العمليات العسكرية ويمكن أن تؤدي إلى تلوث واسع في التربة والمياه، مما يزيد من المخاطر الصحية للسكان المحليين الذين يعتمدون على هذه المصادر في حياتهم اليومية.
تأثير المواد السامة على المرأة الحامل والجنين
يعد تأثير المواد السامة على المرأة الحامل والجنين من أخطر التأثيرات الصحية، نظراً لحساسية فترة الحمل وضرورة توفر بيئة آمنة لدعم نمو الجنين بشكل سليم. من بين هذه التأثيرات:
• التشوهات الخلقية: التعرض لبعض المواد السامة، كاليورانيوم المنضب، قد يزيد من خطر التشوهات الخلقية للجنين. فالسموم التي تدخل جسد الأم قد تؤثر على تطور أعضاء الجنين، خاصةً الدماغ والقلب والكلى.
• الولادات المبكرة والإجهاض: بعض المواد الكيميائية السامة قد تؤدي إلى مشاكل صحية كبيرة تؤثر على استقرار الحمل، مما يزيد من احتمالية حدوث الولادات المبكرة أو حتى حالات الإجهاض، نتيجة تأثر صحة الأم وقدرتها على الحفاظ على حمل صحي.
• التأثيرات طويلة الأمد: الأطفال الذين وُلدوا بعد تعرض أمهاتهم للمواد السامة قد يعانون من مشكلات طويلة الأمد، كاضطرابات النمو العصبي والمعرفي، وقد تظهر هذه الاضطرابات في مراحل الطفولة المتقدمة، مما يؤثر على حياتهم المستقبلية.
انتشار المواد السامة في البيئة اللبنانية
لا تقتصر مشكلة المواد السامة على المناطق المستهدفة بشكل مباشر فحسب، بل إن آثارها قد تنتشر لتطال مساحات واسعة من البيئة، حيث تتسرب إلى الهواء والمياه والتربة. هذا التلوث الواسع يؤثر على موارد الحياة الأساسية، ويؤدي إلى تراكم المواد السامة في المحاصيل الزراعية والمياه التي يعتمد عليها السكان، ما يزيد من تعرض الأجيال المقبلة لمخاطر صحية دائمة.
كيفية التعامل مع هذا الخطر
يمكن للحد من تأثير المواد السامة على المرأة الحامل والمجتمع ككل أن يشمل مجموعة من الإجراءات، منها:
1. الحملات التوعوية: ينبغي توعية السكان بمخاطر التلوث الكيميائي والأماكن المعرضة له، وذلك من خلال حملات إعلامية وطبية تهدف إلى تعزيز الوعي حول ضرورة تجنب التعرض المباشر لهذه المناطق قدر الإمكان.
2. الرعاية الصحية للنساء الحوامل: يجب أن تتضمن الرعاية الصحية للنساء الحوامل في المناطق المتأثرة فحوصات دورية للكشف عن أي تأثيرات صحية ناتجة عن التلوث. وقد يتطلب ذلك توفير خدمات صحية متقدمة تتيح للأمهات الحصول على فحوصات دقيقة للاطمئنان على صحة الأجنة.
3. التنظيف البيئي: محاولة تقليل آثار التلوث يمكن أن تشمل مبادرات تنظيف وإعادة تأهيل الأراضي الملوثة، سواء عبر جهود محلية أو دعم دولي. هذه المبادرات يمكن أن تسهم في الحد من تراكم المواد السامة في البيئة وتساهم في حماية الصحة العامة.
خاتمة
إن الأثر الصحي والبيئي للمواد السامة التي تُستخدم في الصراعات العسكرية في لبنان يتطلب اهتماماً جاداً من المجتمع المحلي والدولي. حماية الفئات الأكثر عرضة، كالحوامل والأطفال، تعتبر من الأولويات الأساسية التي تستلزم جهوداً مشتركة للحد من التلوث وتوفير بيئة آمنة تساعد على حماية الأجيال القادمة. كما أن التوعية المجتمعية وتقديم الرعاية الصحية الضرورية قد يسهمان في التخفيف من هذه المخاطر وتأمين مستقبل صحي .
(الهيئة الصحية )