كما نجحت المرجعية الشيعية في العراق بالضغط على الإدارة الأمريكية لحماية الرئيس نبيه بري من عملية اغتيال اسرائيلية كان قد هدد بتنفيذها، يجب على المرجعية أن تضغط على الإدارة الأمريكية الحالية والمستقبلية لمنع العدو الإسرائيلي من استهداف المواطنين الشيعة، أو على الأقل إقامة مناطق آمنة يُمنع على العدو الإسرائيلي قصفها.
وقد فُهم من فتوى المرجع الشيعي الأعلى في العراق، سماحة السيد علي السيستاني، التي تنص على ضرورة منع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات، أن هذه الفتوى هي رسالة إلى حزب الله بأن ما يطالب به سماحة المرجع لتطبيقه على شيعة العراق، يجب أن يُطبق على شيعة لبنان أيضًا، وأنه يجب حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، سواء كانت إيرانية أو أمريكية.
وبعيدًا عما يجري في هذا الاتجاه والخصوص، إلا أنه لا يوجد مبرر يمنع المرجعية العراقية والشعب العراقي من التظاهر والضغط على الأمريكيين داخل العراق ومطالبتهم بحماية الشيعة في لبنان.
بالمقابل، فلتستمر المعارك العسكرية على خطوط المواجهة الأمامية شمال فلسطين جنوب لبنان.
لكن استمرار العدو الإسرائيلي في استهداف المدنيين الشيعة وارتكاب المجازر اليومية له تداعياته الخطيرة جدًا والوجودية، لأنه مع انكسار شيعة لبنان، لن يبقى شيء من التشيع في العالم.
واذا كان الشيعة منذ 1400 سنة وهم يرددون “يا ليتنا كنا معكم”، اليوم حان الوقت لأن يكون الشيعة في العالم مع شيعة الإمام الحسين في لبنان.
بالمقابل فان أكثر ما يهدد شيعة لبنان ليس فقط الحرب مع العدو الإسرائيلي والتخلي العربي والإسلامي عنهم كما تخلوا عن غزة، بل عدم التغيير في الاسلوب الشيعي المتبع منذ سنوات طويلة، رغم الزلزال الكبير الذي اصاب الشيعة باستشهاد السيد نصرالله وغالبية قادة المقاومة اضافة الى اكبر عملية تفجير في التاريخ ادت الى سقوط اكثر من ٣٠٠٠ مقاوم بين شهيد وجريح.
كما أن تصرفات الشيعة توحي بأنهم لم يستوعبوا ما حصل معهم بعد استشهاد القائد التاريخي لشيعة لبنان سماحة السيد نصرالله الذي ترك فراغًا هائلًا على المستويين السياسي والمعنوي، حتى باتت الطائفة الشيعية يتيمة، ولولا وجود الرئيس بري لكانت معزولة عن العالم، لكن حتى الرئيس بري عاجز عن التأثير والتغيير في المعادلة الدولية، بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري واعتزال وليد جنبلاط السياسة.
أما بقية الشيعة من وزراء ونواب ورؤساء الأحزاب، مع الاحترام الكبير لشخوصهم، لكن تأثيرهم يكاد يكون معدومًا، بل لولا دعم حزب الله لغالبية هذه القوى والشخصيات، لما سمع بالأكثرية منها.
أما على المستوى الإعلامي، فان غالبية الاسماء الاعلامية التي برزت خلال عقدين فقدت مصداقيتها ودورها، وبدل ان يكونوا صناع راي في زمن الحرب، تحولت تصريحاتهم البعيدة عن الواقع الى مادة كوميدية تثير السخرية عند شريحة كبيرة من اللبنانيين، كما تثير الشعور بالالم والغضب عند غالبية الشيعة الذين شعروا بالاستغلال من قبل هؤلاء الاعلاميين.
إذًا، الشيعة في السياسة والإعلام خارج المعادلة، فلا توجد شخصية سياسية شيعية قادرة صناعة الفرق في الداخل أو الخارج، كما لا يوجد إعلام قادر على صناعة رأي عام.
بالمقابل، فإن حلفاء حزب الله من غير الشيعة، إما من تخلى محاولًا النجاة بنفسه كي لا يطاله الاستهداف الإسرائيلي أو تتم محاسبته بحال تغيرت التوازنات الداخلية، أو هناك من هو ثابت على موقفه لكنه يُحيّد نفسه في الظل أيضًا كي لا يطاله الاعتداء الإسرائيلي.
ومع عودة انتظام العمل في قيادة حزب الله بعد انتخاب سماحة الشيخ نعيم قاسم امينا عاما للحزب، والتطور الهائل في سير المعارك ضد العدو الاسرائيلي، إلا أن قيادات الحزب في الداخل اللبناني بعيدة عن الأضواء والاتصالات وحتى المشاركة في تشييع الشهداء، كونها مستهدفة مباشرة من قبل العدو الإسرائيلي الذي مستعد للنيل منها حتى لو كانت بين مئات المدنيين.
وما حصل في 11 -11 -2024 وهو يوم الشهيد اكبر دليل على ما وصلت اليه الطائفة الشيعية ولولا المبادرة التي قام فيها مسؤول العلاقات الاعلامية في حزب الله الحاج محمد عفيف، كان هذا اليوم شكل علامة تحول لا يمكن تجاوزها، لكن الحاج عفيف انقذ الموقف رغم الخطر المحتمل ان يتعرض له خلال المؤتمر الصحفي وما حمله من دلالات الصمود والصبر حتى النصر .
كما أن مختلف القوى اللبنانية تتجنب التواصل مع الطائفة الشيعية، وإن حصلت بعض الاتصالات مع الرئيس بري فإنها من أجل التباحث بملف انتخاب رئيس الجمهورية.
أمام هذا المتغير، يظهر واقع جديد يشير إلى فراغ لم يكن بالحسبان حصوله في الطائفة الشيعية، وإن كان هذا الفراغ لم يؤثر على سير المعارك ضد العدو الإسرائيلي، إلا أنه أرخى بظلاله على الساحة الشيعية الداخلية.
وعلى مستوى الإقليم، فإن الجمهورية الإسلامية تعهدت بتقديم كامل الدعم وبناء ما تهدم في لبنان جراء العدوان الإسرائيلي، إلا أنه على المستوى السياسي، فإن إيران لن تتدخل في السياسة، وهذا الأمر معروف عنها، وهذا ما حصل عام 2006 مع حزب الله، ومع سوريا وفي اليمن ومع حماس بفترات سابقة وأيضًا حتى في العراق والبحرين، إذ أن إيران لا تتدخل في الأمور السياسية لحلفائها في محور المقاومة.
أما فيما يتعلق بالدور السوري، فإن سوريا أبلغت كافة الأطراف أنها غير معنية بصورة مباشرة في الحرب، خاصة أنها تخوض حربًا داخلية ضد الإرهاب، إضافة إلى حرب قد تشتعل بينها وبين الكيان الإسرائيلي بعد الحديث عن استعداد العدو الإسرائيلي للقيام باجتياح الحدود السورية ثم الالتفاف على لبنان بكماشة لقطع خطوط الإمداد اللبنانية السورية، والانقضاض على حزب الله من الجنوب والبقاع.
أما غالبية الدول العربية، فإنها تؤيد الانتهاء والقضاء على حركات المقاومة والذهاب إلى التطبيع والسلام مع إسرائيل بعيدًا عن ما قد يحصل للقضية الفلسطينية، وكل ما تستطيع هذه الدول أن تقدمه للبنان هو ما قدمته لغزة، وهذا الامر ظهر جليا في القمة العربية الاسلامية التي عقدت في الرياض.
أما على المستوى الدولي، فإن الديمقراطيين الأمريكيين لم يعودوا بعجالة إلى وقف إطلاق النار الذي كان سيُستغل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح الحزب الديمقراطي، كما أنهم غير مستعدين للتصادم مع اللوبي الصهيوني من أجل لبنان.
أيضًا، ترامب لن يكون مستعجلًا لوقف إطلاق النار، وهو الذي أعلن القدس عاصمة لإسرائيل، خاصةً أنه ناقم على بعض الساسة اللبنانيين الذين يعتبرهم أهانوه شخصيا بالاسلوب الذي استقبل فيه وزير خارجيته بومبيو عام 2019.
أما الفرنسيون، فإنهم جادّون بإيجاد حلول للبنان، لكن في الختام هذه قدراتهم، كما أن حلفاءهم الموارنة اليوم أقرب إلى الموقف الأمريكي العربي من الموقف الفرنسي بحل القضية اللبنانية وتطبيق القرارات الدولية.
بالختام تبين ان محور المقاومة من دون حزب الله لا تاثير إقليمي او دولي له.
بل محور المقاومة من دون حزب الله يفقد عمقه وبعده العربي والاسلامي.
انتصار حزب الله والتحرير عام ٢٠٠٠ كرس محور المقاومة قوة اقليمية صاعدة
حزب الله بعد انتصار تموز عام ٢٠٠٦ كرس محور المقاومة معادلة اقليمية لا يمكن تجاوزها.
حزب الله عام ٢٠١٧ وهو الذي ساهم مساهمة فاعلة بالدفاع عن العراق وسوريا وحماية الاقليات من التكفيريين، صنع شراكة دولية لمحور المقاومة تحدثت عنها الدول وفي مقدمتهم روسيا الاتحادية.
واليوم اثبت ان محور المقاومة لن يكون قادرا على المبادرة او انتاج تسوية سياسية ما لم ينجح حزب الله بتسجيل انتصار جديد.
وبما ان شيعة لبنان هم العصب الحقيقي لمحور المقاومة فان الحرب الدوليه عليهم تشبه ما حصل عام 1990 (عاصفة الصحراء) عندما كانت مصلحة الأمريكيين والاوربيين والعرب مع سوريا على حساب الموارنة، مما ادى الى هجرة مسيحية لبنانية باتجاه اوروبا والقارة الاميريكية تجاوزت ال 500 الف مسيحي ما بين اعوام 1990 2000.
الآن المطلوب من الشيعة هو الاستفادة من تجارب الاخرين، ووضع خارطة طريق إن لم تكن في سياسة الحكم، فلتكن سياسية اجتماعية على الأقل من أجل نسج علاقات تعزز الوحدة الوطنية وتساهم في تجاوز هذه الازمة القاتلة.
لكن بقاء الوضع على ما هو عليه يعني أننا أمام فراغ قد يبتلع كل الانجازات التي حققها شيعة لبنان طيلة نصف قرن من العطاء والتضحيات.
بقلم ناجي أمهز
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي موقع سانا نيوز شكرًا على المتابعة.