في أرض الجنوب اللبناني، حيث تتشابك دماء الشهداء مع تراب الوطن، وُلد السيد محمد حجازي في عام 1982، ليكون أحد أبرز الرموز في مسيرة المقاومة ضد الأحتلال الإسرائيلي. كان محمد أكثر من مجرد أسم في سجل الشهداء؛ كان شاعراً، مقاوماً، وصاحب مواقف لا تُمحى من ذاكرة الوطن. كانت حياته جسرا” بين الكلمات الطاهرة والعمل البطولي، بين إبداع الشعر وعنفوان المقاومة.
في كل كلمة كانت تنبع من قلبه، كان يكتب قصائد عن حب رسول الله وآل بيته الطاهرين، تحمل بين سطورها نضالا” من نوع خاص، يعكس إيمانه الراسخ بالحرية والكرامة. لم يكن مجرد شاعر، بل كان الصوت الذي يصدح في سماء الوطن، متحديا” العدو الإسرائيلي بصلابة، بالكلمة أولا”، وبالموقف ثانيا” .
محمد حجازي لم يكتفِ بالكتابة فقط. بل إنضم إلى صفوف المقاومة، ليحمل السلاح ويخوض المعارك جنبا” إلى جنب مع رفاقه. كان جزءًا لا يتجزء من العمليات العسكرية النوعية التي هزت الأرض تحت أقدام الأحتلال. لكن العدو، الذي كان يحاول دائما” أن يزرع الخوف في قلبه، أدرك منذ فترة طويلة أن التهديدات لا تساوي شيئا” أمام إيمان محمد بعقيدته وبحقه في الدفاع عن وطنه. بعد إحدى العمليات التي شارك فيها، تلقى محمد تهديدات من العدو الإسرائيلي، كانت مليئة بكلمات صاعقة: “إرهابي”، “مخرب”، “سنقضي عليك”، “جيشنا يده ستطالك أينما كنت”. ورغم هذه التهديدات، أستمر محمد في مقاومته بشجاعة، متأملا” في رسالته أكثر من خوفه من التهديدات.
لكن ما جعل محمد حجازي شخصية استثنائية هو الإنسانية التي كان يتحلى بها في خضم المعركة. في حديثه عن أصدقائه الشهداء، كانت عيناه تلمعان بالكثير من الفخر والألم. كان يروي كيف حمل جثامين رفاقه الذين سقطوا في المعركة، وكيف شارك في مراسم دفنهم بكل إخلاص. كانت تلك اللحظات ثقيلة، لكنها ملهمة. وفي واحدة من أكثر اللحظات المؤلمة، حمل محمد صديقه الشهيد بين ذراعيه. تلطخت يده بدمائه الطاهرة، وعندما أنهى دفن رفيقه، نظر إلى يده الملطخة بالدماء. شمّ يده في لحظة صمت، وإذا به يشم رائحة فاقت كل التصورات: رائحة الدماء كانت أطيب من المسك وأجمل من رائحة الياسمين.
في تلك اللحظة، كما كان يقول محمد، شعر وكأن الله قد أراد أن يبلغه أن هذه الدماء ليست مجرد دماء، بل هي عطر ينسجم مع دماء الشهداء الذين قدموا أرواحهم على درب الحرية. كانت رائحة الدماء تلك، في نظره، شهادة على أن الشهداء لا يموتون، بل يظلون في وتين قلوب الأحرار، وينيرون طريق الكون المظلم .
محمد حجازي لم يكن مجرد مقاوم؛ كان أسطورة تجسد التحدي والإبداع. كان يحمل السلاح في يده والكلمة في فمه، وبهما فتح معركة التحرير . في عالم يعج بالأصوات الصامتة، كان محمد حجازي الصوت الذي لا يُقهر، واليد التي لا ترتعش.
وعندما أستشهد السيد محمد حجازي، لم يكن ذلك سوى بداية جديدة. فقد ترك إرثا” من النضال والكلمات الطاهرة، ومن دماءٍ روت الأرض الطاهرة، لتكون شهادة حية على أن المقاومة لا تنتهي، بل تتجدد في كل شريان ينبض بالحق والعدالة.
محمد حجازي، الشهيد الذي تحدى الموت، والإنسان الذي خلد أسمه في تاريخ المقاومة، سيظل رمزا” للقوة والشجاعة، وستظل رائحة دمائه الطاهرة، التي شمها في لحظة وداع رفيقه تذكرنا بأن طريق الحرية لا يمر إلا عبر الدماء الطاهرة، وأن النصر قادم لا محالة.
بقلم دلال موسى
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي موقع سانا نيوز شكرًا على المتابعة .