شكل اللقاء الوطني من أجل لبنان الذي عقد يوم الجمعة في قصر الأونيسكو في بيروت حدثاً سياسياً بارزاً في لحظةٍ مفصليةٍ وتاريخيةٍ على مستوى المشهد السياسي في لبنان. فبعد الترويج لنظرية أن الحرب بين الــعــدو الصهيونية وحزب الله، وذهاب البعض أحياناً إلى توصيفها أنّها حربٌ بين الشيعة والعدو الصهيوني، جاء المشهد الوطني الجامع في قصر الأونيسكو ليسقط التوصيفين السابقين، مؤكّداً انطلاقاً من عنوان اللقاء وليس انتهاءً بمكان انعقاده برمزيته أن الحرب بين عدو لبنان وبين المقاومة بما تمثل من إمتدادٍ وطنيٍّ عابرٍ للمناطق والطوائف والمذاهب.
ربما لم ينجح اللقاء في حجز حيّزٍ مهمٍ في التغطية الإعلامية نتيجة عوامل عديدة، من أبرزها الظروف الأمنية الدقيقة التي فرضت على لقاء الأحزاب والشخصيات الوطنية عدم الإعلان عن مكان إنعقاده إلّا قبل يومٍ واحدٍ، مما لم يسمح بدعوة كل وسائل الإعلام، والتي من المؤكد أنّ بعضها لا مصلحة له في إبراز هذه الصورة، لأنّها تسقط الكثير من السرديات حول خسارة حزب الله لحاضنته الوطنية وإبتعاد حلفاءه عنه وإعادة حساباتهم حول المصلحة من التحالف مع حزب “مهزوم”، وفق ما يفترض البعض في لبنان. والحقيقة أن القوات اللبنانية، بشخص “حكيمها” الذي ينطلق من نظرية أنه الرابح الأكبر في كل ما يجري، لم تستطع في محاولاتها عبر لقاء معراب بنسختيه إلا أن تجمع قلّةً قليلةً جداً، وقد تكون محصورة ضمن الحلقة التي تحيط بالقوات اللبنانية تاريخياً، يضاف إليها خروقات ليست ذات وزنٍ على الصعيدين الوطني والإسلامي، لا بل أن من إعتقد جعجع أن حضورهم لا داع للنقاش فيه غابوا وبعضهم إنتقد فكرة اللقاء من أساسها.
في المقابل، كان مشهد الأونيسكو لافتاً بالرغم من توقيته الحساس ربطاً بالإعلانات المتتالية في الداخل والخارج عن مرحلة ما بعد حزب الله وعن الإستفراد به بعيداً عن الحلفاء في الداخل والخارج. فمن ينظر إلى صورة اللقاء في الأونيسكو يستشعر للوهلة الأولى أنّه أمام إعادة إنتاج ل “نيو ٨ أذار” مع فارقٍ كبيرٍ عن المشهد الأصلي. فاليوم، تخوض المقاومة حرب وجودٍ وبالمباشر مع صناع “١٤ أذار” التي تشتت، مع استيعاب كل ما جرى بعد السابع عشر من أيلول وبدء التعافي منه، وصولاً إلى اللحظة الأصعب والأدق على الفريق المتحالف مع حــزب الــلــه، وهي اغتيال الأمين العام الــشــهــيــد الــســيــد حــســن نصرالله، والذي راهن بعض الذين يوشون للسفارة الأميركية في بيروت على أن غيابه ستكون أولى نتائجه المحتومة فرط عقد التحالف بين الحزب وغالبية حلفائه، وسيضع القيادة السياسية للحزب في موقفٍ لا تحسد عليه. وقد وصل الأمر بأحد المستعجلين إلى اشتراط عدم القبول بكل طلبات إنتساب الأحزاب والشخصيات التي ستحاول الإنضمام الى “منسقية ١٤ أذار”، طالباً إبلاغ أمينها العام الدكتور فارس سعيد وضع شروطٍ صارمةٍ تصل الى حدود طلب إعلان التوبة على الراغبين بالإلتحاق بصفوفها، ولكن ما الذي جرى؟
تتمة ما نشر اعلاه
يقول أحد منظمي لقاء الأونيسكو أن نقاشاً جادّاً جرى في مرحلة التحضير لعقد اللقاء حول مدى القدرة على تأمين النصاب الوطني في هذه المرحلة التي يبدو فيها المشهد ضبابياً إلى حدود عدم القدرة على الرؤية الواضحة والتقدير السليم، إلّا أنّ ثبات شباب المقاومة في الميدان وفائض العاطفة التي عبّر عنها كلّ الحلفاء من قوى وأحزابٍ وشخصياتٍ وطنية وحركاتٍ إسلامية يوم إستشهاد الأمين العام للحزب الـٮٮٮـېـد حــســن نــصــرالــلــه جعل اتخاذ القرار سهلاً، وكان الإيمان بأنّ الكلّ سيحضر، وهو ما حصل فعلاً.
من يدقق في صور اللقاء التي إنتشرت بعيد انتهائه، سيكتشف أن لا ثلث مناطقياً ولا ثلث طائفياً ولا ثلث مذهيياً عطّل نصاب اللقاء، وأن الإلتفاف الوطني حول الــمــقــاومــة باقٍ ولا حاجة لعدّ الحاضرين، لأن وبحسب متابعٍ دقّق في الحضور، فإن أحداً لم يغب، بل وحرص الكثير من الأحزاب على أن يكون ممثلاً بقياداتٍ من الصف الأول، فيما كان لافتاً الحضور النيابي الوازن، وكذلك مشاركة وزارء سابقين وشخصياتٍ وطنيةٍ، وكذلك إعلاميين من الصف الأول، إلى حدّ أنّ البعض اضطرّ أن ينتظر ريثما يتمّ إيجاد مقعدٍ له، علماً أن الدعوة لم تكن مفتوحةً، وهي وُجهت بناءً على لائحةٍ درست بعنايةٍ، ولم يكن هناك أيّ مسعى لجمع حشدٍ قد يذهب البعض لتوصيفه بالحشو، مع ضرورة الإشارة إلى أن من غابوا نتيجة ظروف خارجة عن إرادتهم، رغم قلّتهم، أكدوا موافقتهم المسبّقة على البيان الذي صدر عن اللقاء واستعدادهم للمشاركة في لجنة المتابعة التي انبثقت.
وفي تفصيل أدق للمشهد، يقول أحد النقّاد أّنه كان يعتقد أن الدعوة لمثل هذا اللقاء في هذا التوقيت ضربٌ من الجنون، فهذا إمتحان وليس دعوةً إلى لقاءٍ لملء جدول أعمالٍ يوميٍّ أو تسجيل نشاطٍ سياسيٍّ، إذ أنّ الحضور فقط ومن دون حتى الإدلاء بتصريحٍ هو موقفٌ تاريخيٌّ في لحظةٍ تاريخيةٍ يُراد فيها الاستفراد بالمقاومة، وقد تكون هناك الكثير من الحسابات التي تفضي إلى تأجيل المشاركة في مثل هكذا لقاء، خصوصاً إذا ما تابع من وُجِّهت إليهم الدعوات تغطية الإعلام اللبناني وبعض ما يطرحه قــادة أحزابٍ ونوابٌ ووزراء وصحافيون وضيوف من نوع “هات إيدك ولحقني” من نظرياتٍ حول اليوم التالي بعد حزب الله أو طموح وراثة جمهور المقاومة والحلفاء، لتكون المفاجأة بالحضور الوطني مكتمل النّصاب على مستوى كل الأحزاب والحركات من دون إستثناءٍ يضاف إليه حضور شخصياتٍ لها وزن سياسي وانتخابي في المناطق التي تنشط فيها، لتكون المحصّلة أن اڶـمـقـاومة نجحت في جمع كل حلفائها ومعهم وافدين جدد كالجماعة الــإســلــامــيــة وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامــيـة التي إفترقت عن تحالفها الإنتخابي مع حزب الله في إنتخابات ٢٠٢٢. والأكيد أيضاً أن سمير جعجع كان يحلم أن يستطيع جمع مثل هذه التشكيلة الوطنية الكبيرة حوله في قلعة معراب في زمن شعوره المصطنع بالنصر على خصومه.
بالإضافة إلى أهمية الصورة الجامعة، فإنّ مضمون البيان أو الوثيقة التي صدرت بعيد إنتهاء اللقاء، والتي يمكن توصيفها بضربة معلم فهي ثبتت أولاً لبنانية قرار…